يتناول هذا البحث (المنهج التحليليّ في تفسير الزمخشريّ) ، ويُعْنَى برصد الأثر الكبير لعبد القاهر الجرجانيّ (ت471هـ) في الزمخشري ، ويعرض تطبيقات هذا الأخير على الأصول التيّ أصَّلَها عبد القاهر , مستفيدًا من منهجه التحليليّ ، ويبين مدى أهمية الزمخشريّ في تاريخ الدراسات البلاغيَّة العربيَّة , وعظمة إسهامه في هذا الشأن .
لقد تكاملت نظرية النظم – أهم نظريَّة نقديَّة في التراث العربيّ - على يد عبد القاهر ، وهي تُعَبِّر عن منهجه في النقد التحليليّ للأدب ، الذي يقوم على التذوُّق المُعَلَّل ، والتجربة الفنيَّة الواعية ، والحس الجماليّ الدقيق ، ويعتمد على منهج الاستنباط النفسيّ الذي هو قِوَام المنهج التحليليّ .
وقد ابتكر عبد القاهر المنهج التحليليّ ؛ وهو منهجٌ لغويّ ، يقوم أساسًا على فحص طبيعة العلاقات اللغويَّة الداخلة في السياق ؛ فالسياق هو الذي يكشف عَمَّا في الكلام من نسيج مُتَشَعِّب من الصور والمشاعـر ، يَبُثُّه الشاعر عن طريق العلاقات الجديدة التي يُوَلِّدُهَا السياق .
وقد تضمن البحثُ تمهيدًا وثلاثة مباحث وخاتمة ، وتحدثتُ في التمهيد عن أثر عبد القاهر ونظريته في الزمخشري ، وكان المبحث الأول عن : (بلاغة اللفظة القرآنيَّة) ، وتناول المبحث الثاني : (دلالات الإيجاز والإطناب) ، وعرض المبحث الثالث : (دلالات أسماء الإشارة) .
وقد أثبت البحثُ أن الزمخشريّ سار في منهجه التحليليّ على غرار منهج عبد القاهر التحليليّ ؛ إذ جعله أصلاً ثابتًا بني عليه منهجه في تفسيره للقرآن الكريم في كتابه (الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل) ، فضلاً عن أنه طَبَّقَ على آيات القرآن الكريم ما أصَّلَهُ عبد القاهر , وأضاف تطبيقاتٍ لم يعالجها هذا الأخير .
وقد اتبعتُ المنهج التحليليّ الذي يُعْنَى بربط العناصر الفنيَّة بعضها ببعض ، والتكامُل بين أجزاء العمل الفنيّ الواحد ، ولا يكتفي برصد الظواهر وسردها ، بل يُوَجِّهُ اهتمامَهُ صَوبَ التحليل ، والنقد القائم على الذوق ، والرؤية الموضوعيَّة .