يهدف هذا البحث إلى رصد أبرز التطورات التي طرأت على بنية القصيدة العربية في تخليها عن بنيتها العمودية (التقليدية) التي ارتبطت بها منذ ظهورها، وبالرغم من كثرة محاولات التجديد منذ العصر العباسي حتى عصرنا هذا، إلا أن هذا البحث يقف على نموذجين خاصين ظهر فيهما التطور والتجديد بشكل لافت للنظر، وهما الموشح الأندلسي، والقصيدة الرقمية، وقد وقع الاختيار عليهما تحديدًا لاشتراكهما في ملامحَ وسماتٍ متعددة، رغم أن الأول يعتمد على الوسيط الورقي في كتابته وتلقِّيه، بينما يعتمد الثاني على الوسيط الرقمي، إلا أنهما يشتركان في كسر البناء التقليدي للقصيدة، كما وظف كل منهما اللغة بصورة مغايرة عن القصيدة التقليدية، واعتمد كل منهما كذلك على البعد البصري داخل القصيدة بجانب البعد اللغوي.
وتقتضي طبيعة البحث أن يجمع بين الدراسة النظرية والتطبيقية لبيان أبرز التحولات التي أصابت القصيدة العربية، ومن ثم الوصول إلى نماذج الدراسة (الموشح، والقصيدة الرقمية)، وذلك على النحو التالي: التمهيد: ونتناول فيه – باختصار- أبرز تطورات القصيدة العربية منذ نشأتها حتى ظهور القصيدة الهندسية ، ثم تحدثت عن الموشح في الأندلس وأبرز التغيرات التي أصابته، وكذلك نشأة القصيدة الرقمية في العصر الحديث وأبرز أشكالها، ثم عقدت موازنة بين موشحات ابن اللبانة الأندلسي والقصيدة الرقمية "لا متناهيات الجدار الناري" للشاعر العراقي عباس مشتاق معن, وقد اشتملت الموازنة على ثلاث نقاط رئيسة: الأولى: الترابط والتشعب، والثانية: اللغة بينهما، والثالثة: تقنيات البعد البصري، وفي الأخير الخاتمة التي ترصد أبرز النتائج.
ويعتمد هذا البحث على المنهج الفني في دراسة ورصد أبرز الجوانب الفنية التي قام عليها بناء كلٍّ من الموشح والقصيدة الرقمية, والمنهج التاريخي في تدرج تطور القصيدة العربية عبر العصور.