يدور هذا البحث حول التدرج في الحوار ، من خلال القصص القرآني، حيث لفت نظري في الحوار القرآني عند دراستي للقصص القرآني ذلك التدرج الحكيم، والترتيب المحكم، بحيث لو قدمت جملة على أخرى لاختلّ المعنى. والقرآن كله حوارات مختلفة ومتشابكة ومتنوعة، الغرض منها تقرير العقيدة والأحكام وغرس القيم والأخلاق، والتأثير على النفوس، وشحذ الهمم. ويعلمنا القرآن كيف نتحاور مع من يخالفنا في العقيدة، كما يعلمنا كيف نتحاور مع بعضنا البعض، فبالحوار تتقارب المسافات، وتتغير القناعات، وتتآلف القلوب. ولقد بينت في هذا البحث أهمية التدرج في الحوار ، وكونه سمة من سمات المنهج القرآني، ومسلكا من مسالك الدعوة والتربية، والإصلاح، والتفاهم، كما استوقفتني ثلاث قصص قرآنية تجلى فيها هذا التدرج القرآني في الحوار، لإقامة الحجة، وكسب القلوب. قصة ابني آدم، كيف كان رد فعل الابن البار عندما باغته أخوه مهددا بقتله، كيف حاوره، ليس دفاعا عن نفسه ودفعا للخطر الذي يحدّق به فحسب، بل من أجل ان يصلح أخاه ويرشده لطريق الخير، وكذلك حوار إبراهيم مع قومه ثم مع أبيه كيف نتعلم أسس التدرج في الحوار من مجاراة الخصم والبدء بالمسلمات، وتقديم ما يحتاج لتقديم وتأخير ما حقه التأخير، بحيث يخرج الأسلوب ملاطفا والقول ليِّنا، وكذلك حواره مع أبيه بهذا الأدب والعاطفة الجياشة، وهذا الترتيب الحكيم، ثم التدرج في قصة أصحاب القرية، كيف لم يرسل الله الثلاثة دفعة واحدة، بل أرسل اثنين ثم عززهما بثالث، ثم جاء دور الرجل الصالح وحواره البناء وأسلوبه الأخّاذ، كيف تدرّج بقومه، ونجحت دعوته، وإن كانوا قد غدروا به فنال الشهادة تتويجًا لهذا العمل البطولي.