لقد تفرد الخط العربي بكونه أحد الفنون الأصيلة التي نمت في ظل الكتابة العربية تاج الحضارة الإسلامية , وبظهور الإسلام
حظيت الكتابة العربية بنقلة من التطور السريع أكسبتها قدسية وجلالا , لم تكن تحظى بذلك لولا ارتباطها بالدين الإسلامي, حتى صارت
خلال القرون الهجرية الأولى طريقة للتحرير يمكن بواسطتها التعبير عن معاني اللغة, ولقد توازى التشكيل الجمالي للحروف العربية مع
شكلها المنطوق مما أكسبها حيويتها وجمالها. وكان لهذا الاهتمام والارتباط الوثيق دوافعه المبكرة عند مازلت أول آيات القران الكريم على رسوله الكريم صل الله عليهو سلم " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) " سورة العلق , ومن هنا كان التزام المسلمين بكتابة الوحي وحفظ القرآن عن ظهر قلب, وبواسطة الخط الذي وقع في نفوسهم موقع الالتزام وموقع الحق الأمر الذي نجده في أقوالهم " الخط الحسن يزيد الحق وضوحا"ً وجاء الخط العربي المجود - الذي ضُبط بقواعد ومقاييس فنية- ليرتفع إلى هذا المستوى الذي تقوم عليه اللغة العربية لغة القران الكريم , ولذلك نجد أن الشكل في الخط العربي هو بالضرورة رابطة بين الشعور الإنساني والموضوع الخارجي, أي بين الذات والحروف, وهذا يعني أن ثمة تكامل قائم قيما بين الباطن كجوهر والشكل كمعنى, على نحو لا نجده في أي فن آخر, كالموسيقى أو الشعر مثلا, وذلك لأن " كثافة الحروف قد تلاشت داخل الحيز وأن قيما جمالية قد أسقطت على هذه الحروف المكتوبة, ومن هنا أصبحت الجمالية الموضوعية للحروف العربية تأتي بطبيعتها عند الخطاط المجود: أن تبدأ أولاً بتقويمها مبسوطة لتصبح صورة كل حرف منها على حيالها , ثم تأخذ في تقويمها مجموعات مركبة ومتفاوتة القياس والشكل واللون".