لا شک ان الالمام الکامل بالتفاصيل هو بداية المعرفة ولکنه ليس الغاية منها، ومن ثم کان على اولئک الذين يرغبون في الاحاطة بکل التفاصيل والتفوق فيها ان يتخلوا عن البحث في مجالات المعرفة المختلفة في الحياة قبل ان يتعلموا شيئاً عن کيفية ادارة شئونها وحل مشکلاتها. السبب في ذلک انهم بسعيهم للاحاطة بکل التفاصيل يکونون قد توقفوا عند مجرد تعلم کيفية استخراج البيانات دون ان يحاولوا وضعها معاً من أجل إدراک الموضوع محل البحث.
بحر المعرفة القانونية عميقاً ومتسعاً لدرجة انه يبدو وکأنه لا قرار لعمقه ولا نهاية لسطحه، من هنا تکون المعالجة الشاملة والنظرة الکلية أمراً ضرورياً لا غنى عنه من اجل اقامة العدالة التي هي غاية کل قانون.
الواقع ان النظرة الکلية والمعالجة الشاملة لا تتحقق في مجال القانون الا من خلال دراسة ذلک الفرع من فروع المعرفة الذي يطلق عليه اسم علم أصول القانون. يعتبر علم اصول القانون حقل خصب للدراسة والبحث في اصول القانون وکلياته.
يتولى الباحثون في علم اصول القانون دراسة عدد کبير من المسائل القانونية الاصولية والتي من بينها بيان الاساس الفلسفي للقانون، والغاية منه، والکشف عن طبيعته وطبيعة العدالة، ثم تحديد مدى تأثير مطلب العدالة على مضمون القانون وأساليب عمل القضاة والمحامين، کما يدرسون العلاقة بين القانون والعلوم الاجتماعية الاخرى.