تهتم هذه الدراسة بتناول جانب مهم من العمارة المکية عبر تاريخها الطويل ومدى ما بلغه المکيون من تقدم في فنون العمارة ، والتفهم الکامل لخواص المواد واستخداماتها ، وبما يتوافق مع العوامل البيئية والإجتماعية والإقتصادية للمجتمع المکي عبر مراحلة التاريخية المتعاقبة ، والمقصود بذلک صناعة الآجر ، کأحد مواد البناء المستخدمة بمدينة مکة في الفترات الاسلامية المختلفة. ويعتبر الطين ومشتقاته العنصر الرئيسي في صناعة الأجور، والذي يتوفر بکثرة في الأودية المحيطة بمدينة مکة المکرمة ، بما تلقيه مياهها من رواسب طمييه ، وقد استخدم الطين منذ فترات مبکرة جداً کمادة إنشائية رئيسية في البناء بالحجاز بشکل عام ومدينة مکة المکرمة على وجه الخصوص الى جانب الحجر حتى أنه اعتبر کأقدم مادة إنشائية في تاريخ العمارة .
ومن الطبيعي أن يدخل الآجر کمادة بناء في العمارة الحجازية متأخراً عن اللبن ، حيث يمثل المرحلة المتطورة في صناعة وتشکيل الطين ومشتقاته .
أن التوصل لصناعة الأجور حدث بفعل الکور (الأفران) المعدة لحرق الفخار وما صاحبها من تصلب اللبن وکتل الطين بفعل الحرارة، وبالرغم من الطريقة المضنية المستخدمة فى صناعته قديماً والمتمثلة في الجهد الکبير فى عجن الطين وبز الماء والأملاح منه وغسله وإضافة مواد مقوية إليه في بعض الأحيان وتهيئة أفران خاصة لحرقه بدرجات حرارة عالية تتراوح بين (100- 750ْ درجة مئوية) لإنتاج الأنواع الجيدة منه,فقد استخدم بشکل واسع في المنشآت المختلفة بمکة، نظرا لقدرته على مقاومة الأملاح والرطوبة في التربة والتي لم تکن موجودة في مادة اللبن فضلاً عن مميزاته الأخرى والتي تفوق بها على اللبن ، رغم أن تکلفته الکبيرة مقارنة باللبن کانت سبباً في عدم انتشاره في الفترات الأولى من ابتکاره .
المعطيات التى توفرها المصادر التاريخية المکية وما تبقى من المباني القديمة (لوحات1: 6) توضح مدىانتشار استخدام الآجر وتعدد مواضع استخدامه ، فى العمارة المکية ، بما يؤکد أنه کان بمکة مدرستها الخاصة في هذه الصناعة، أعتمدت في الأساس على مهارة الصناع المحليين وخبراتهم المتراکمة عبر السنين.
وقد ترتب على تطور هذه الصناعة فى مکة المکرمة, تقدم في الأعمال الإنشائية التي إعتمدت على الآجر, کمادة بناء سواء رئيسية أو مساندة ، فتعددت المواضع التي استخدمت في بنائها الآجر ، کما استفاد المعمار المکي من الشکل المنتظم لقطع الآجر, ونجح في استخدامها في ابتکار تشکيلات فنية وزخرفية بطرق مختلفة .
هذه الدراسة اعتمدت في تناول هذا الموضوع على المنهج الاستقصائي التحليلي ، من خلال الوقوف على ما ورد في متون المصادر التاريخية من اشارات لمنشآت أو تعميرات تمت على مباني في مکة, عبر تاريخها الطويل واستخدم فيها الآجر ، والتعرف على نوعية المواضع التي استخدم في عمارتها أو زخرفتها .