ترک لنا علماؤنا تراثًا معرفيًّا عظيمًا کمًّا وکيفًا، فعلى مدار أکثر من عشرة قرون ومِداد أقلامهم لا يجف، فألفوا في شتى العلوم العربية، والشرعية، والفلسفة والمنطق، والتاريخ والجغرافيا، والاجتماع، والطب والصيدلة والکيمياء والطبيعة، والميکانيکا، والفلک، والتاريخ الطبيعي، وغيرها، واستطاعوا بعلومهم وتآليفهم أن ينيروا درب البشرية المظلم، وأن يضعوا لبنات کثيرة في صرح الحضارة الإنسانية. هذا التراث الذي حفظته المکتبات الخاصة والعامة هو ما نعوِّل على کثير منه في حياتنا اليوم، وتدور حول نصوصه الدراسات المتنوعة. وکثير من هذه النصوص وقع ناسخوها في تصحيفات وتحريفات وأخطاء بلا قصد، کما تعددت نُسخ بعض الکتب، واختلفت روايات بعض النصوص، ولو نشرت کل نسخة منها على حدة لوجد المتلقى في هذه النشرات تعارضًا ونقصًا وزيادة وتصحيفًا وتحريفًا. من هنا کان تحقيق النصوص للوصول بها إلى أقرب صورة ترکها عليها مؤلفوها أمرًا ضروريًّا لتخليصها مما يفسد على الباحثين والدارسين نتائج أعمالهم، ويضيع وقتهم وجهدهم هباء. وقد جاء هذا المدخل ليقلي الضوء بإيجاز على أهم قواعد تحقيق النص التراثي، مقرونة عناصره وقواعده بنماذج مصوَّرة من المخطوطات لتضفي مزيدًا من التوضيح والبيان.