إن عقودا من تحميل المؤسسة التعليمية، ومن خلالها الخريجين أنفسهم، المسئولية عن بطالة المتعلمين، وعن تدهور مخرجات المتعلمين في سوق العمل، وعقودا من اقتراح حلول لا تتجاوز التعليم والتدريب، لم تثمر شيئا على أرض الواقع، إذ ما تزال بطالة الخريجين في ازدياد، ومخرجاتهم في سوق العمل في تدهور، والأهم من ذلک أن جودة التعليم من منظور علاقته بسوق العمل تتراجع هي الأخرى. لذلک اتخذت الدراسة الحالية منحى نقديا في تقصيها للعلاقة بين التعليم وسوق العمل، لتفنيد خطاب عدم مواءمة المخرجات التعليمية لاحتياجات سوق العمل. وبالرجوع إلى أحدث بيانات سوق العمل المصري، تبيّن تحيزه ضد المتعلمين والشباب والإناث لصالح الأميين وأشباه المتعلمين وکبار السن، وهو ما أرجعته الدراسة إلى تدني جودة المعروض من الوظائف إلى الحد الذي يجعلها والبطالة سواء، ويجعل المتعلمين يتعففون عنها، ليس لأن الخريجين غير مؤهلين لها، بل على العکس لأن تعليمهم أعلى منها، إذ تنتمي غالبية الوظائف الجديدة إلى الاقتصاد غير الرسمي بجودته المتدنية من حيث الأجور وشروط العمل. أرجعت الدراسة هذا الواقع إلى السياسات الاقتصادية المنحازة التي تکبّل المنافسة في القطاع الخاص، وتکبّل بالتالي خلق وظائف جديدة جيدة، ما اضطر الجميع، متعلمين وغير متعلمين، لا سيما الأخيرين، إلى قبول العمل في الوظائف متدنية الجودة التي تنشأ في القطاع الخاص غير الرسمي الذي تضخم خلال العقود الأخيرة لسد الفجوة الناشئة عن انسحاب الدولة من التوظيف وعجز القطاع الخاص الرسمي عن الحلول محلها. وتربويا، خلصت الدراسة إلى أن سوق العمل المتدهور ومخرجات المتعلمين المتدهورة فيه قد أضرا بجودة المخرجات التعليمية، متمثلة في الخريجين، والعمليات التعليمية المؤدية إلى هذه المخرجات. بمعنى أن تدهور سوق العمل من حيث عدد الوظائف وانخفاض جودتها کثيرا عن مؤهلات الخريجين، جعل الطلاب، ومن ورائهم الأسر والمؤسسة التعليمية، يتساهلون في جودة التعليم لضعف ارتباطه بالحراک الاجتماعي وتحسين مستوى المعيشة من خلال فرص العمل اللائقة. وأخيرا، وضعت الدراسة تلک العلاقة بين التعليم وسوق العمل، کما تکشّفت في الحالة المصرية، ضمن أطياف النظرية المفسرة لها، وفنّدت الحلول التي تقترح عادة للتغلب على البطالة من خلال التدخلات المقصورة على التعليم والتدريب، وقدمت عددا من التوصيات تطال النظام الاقتصادي والتعليمي على حد سواء، وبعض المقترحات البحثية.