تبدو النظرة العلمية مفسرة لدلالات الازدواجية في الأعمال الأدبية مسبوقة بوجهة نظر بدأت في الفنون التشکيلية. والرواية النفسية تتمحور حول مسببات الأحداث لا الأحداث ,وهناک اختلاف في الروايات من حيث تقنيات السرد والحوار يتمثل في الاتجاه إلى تيار الشعور الذي يکشف الحوارات الذاتية للشخوص وما يتضارب فيها من صراعات وازدواجية .واتساقاً مع طبيعة الرواية فإن الأديب يجعل همّه الأکبر أن يتتبع دواخل الشخصيات ويجسدها لتظهر على السطح تصارع وتواجه. وإن قيمة هذه الأعمال الأدبية من الأسباب التي تمثل الدوافع وراءها التي تتشابک وتؤثر تأثيراً مباشراً وتعدُّ البيئة الخصبة المغذية لها .وتعد العوامل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي عاشتها مصر بعد هزيمة 1967 ودخولها عصر الانفتاح بعد حرب 1973 من أهم الدوافع لحدوث الازدواجية لدى الإنسان المصري والتي مثلتها رواية حدائق الخريف للروائي الدکتور حسن البنداري المطبوعة عام 2010م والتي يوظف فيها کافة العناصر الروائية :الشخصيات- الحوار-الزمان –المکان- اللغة –اللون ليبرز من خلالها حجم الازدواجية التي عانى منها الإنسان المصري، ونطمئن إلى أن الأديب اتبع المنهج السيکولوجي في بناء الرواية منطلقاً في ذلک من فهم حقيقي للتيار الوجداني والشعوري لأبطال الرواية.
استطاع البنداري أن يسبر أغوار شخصياته ويحکي تفاصيلها الدقيقة في حواراتها ومن خلال لغة زاخرة عامرة بالدلالات والرموز. وقد عبر کذلک من خلال توظيف عنصري المکان والزمان متضافرين مع الألوان ليعمق الشعور بالازدواجية. فجمع الکاتب بذلک بين صور الازدواج لتبدو الصورة أکثر قبحاً والذي يدفع القارئ إلى التحرر بعدها وينطلق إلى عوالم صادقة لا تجمُّل ولا مواربة فيها، والذي يدعونا إلى تمثله والإيمان به وبضرورة التغيير والثورة على کافة الأنظمة الفاسدة التي جرَّت المجتمع المصري إلى هذا التحوُّل البغيض.