کانت المدينة المنورة، عاصمة الدولة الإسلامية الأولى هى النموذج الذى احتذته جميع المدن التى تم إنشاؤها خارج شبه الجزيرة العربية، وذلک فى أعقاب حرکة الفتوحات الإسلامية الکبري، ولذلک عقب فتح الأندلس مباشرة، واتخاذ بنو أمية مدينة قرطبة عاصمة لملکهم الجديد، الذى زال فى مشرق العالم الإسلامى، وأعيد من جديد فى مغرب العالم الإسلامى، على يد أحد أمرائهم الفارين من المشرق، وهو الأمير عبدالرحمن بن معاوية ( 113 – 172 هـ ) - ( 713 – 788 م ) ، الذى حمل لقب عبدالرحمن الداخل، لدخوله الأندلس، وحمل أيضا لقب صقر قريش.
وقد سارت قرطبة بدورها على نهج جميع المدن الإسلامية التى أسست فى رقعة العالم الإسلامى أنذاک، وبدأت البنية التحتية بها بتأسيس المسجد الجامع Mezquita de Cordoba ، تأسيا بمسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ويعتبر المسجد هو أهم منشأة فى البنية التحتية للمدينة الإسلامية، حيث يتوسط المدينة، ومنه تتفرع الشوارع والدروب، وجميع المرافق التى تتکون منها المدينة، وبصبح المسجد هو قلب المدينة النابض بالحياة.
ثم بدأ بناء قصر الإمارة، وتبعه بناء الأرباض والتى تعنى الأحياء التى يسکنها عامة الناس على اختلاف طوائفهم، وقد تميزت قرطبة بشبکة من المياة لم يوجد لها مثيل على عصرها، وشوارع معبدة ، ومنازل مطلية باللون الأبيض مزينة بالزهور، وتکاد المنشآت التى ضمتها مدينة قرطبة تطابق منشآت العصر الحالي.
وتفردت مدينة قرطبة بمنشأتين من المنشأت الخاصة بها، الأولى وهى القنطرة العربية AL Cantara، والتى ربطت بين شقيها الشمالى والجنوبى, والثانية هى الحمامات العربية العامة Banos Arabes، والتى أسهب المؤرخون فى وصفها من حيث العدد وجمال البناء، وقد ضمت العديد من المدن هذه الحمامات، لکن حمامات مدينة قرطبة کان لها شهرة واسعة، لاهتمام جميع الحکام بتلک المنشأة والتفرد فى العناية بها، علاوة على ما نالها من هدم وطمس لمعالمها عقب سقوط المدينة، وهو ما أعطاها شهرة واسعة. وقد ضمت کل تلک المنشأت، الأسوار Les Murallas Arabes القوية التى ميزت جميع المدن فى تلک الفترة التاريخية.