غنى عن فضل البيان أن الحضارات الإنسانية الکبرى عرفت أهمية وتأثير الترجمة منذ أمد بعيد. ولقد أقر معظم المؤرخين المنصفين بالدور المحوري الذي لعبته الترجمة في نشأة وتطور الحضارات المختلفة، ومن بينها الحضارة الإسلامية التى حافظت عبر البحث والترجمة على عيون الفکر اليونانى القديم خاصة فى مجالات الفلسفة والأدب، حتى أن بعض المستشرقين لا يرون دوراً للحضارة الإسلامية يعادل في أهميته دور ترجمة تلک الأعمال والحفاظ عليها. ولقد کان للترجمة الفضل فى أن تصبح اللغة العربية لغة عالمية للفکر والتعبير:
کانت ترجمة التراث العالمى السابق إلى اللغة العربية هى المقدمة الضرورية لتأسيس معرفة جديدة، تجاوزت المعرفة القديمة فى موضوعاتها ومناهجها وغاياتها، وکتبت الفلسفات والعلوم بلغة الثقافة العالمية فى العصور الوسطى، أى بالعربية.(مصطفى لبيب، 2010،ص 9)
وتحفل عملية الترجمة بمشکلات علمية وفنية عديدة خاصة إذا اعتبرنا الترجمة علم وفن:
يمکننا القول إذا ما تمسکنا بالأمر، إن الترجمةتبقى فنا کالطب، ولکنه فن يقوم على علم. (Mounin, 1963, p.16)
وإذا کانت موضوعات ومشکلات الترجمة تتداخل وتتقاطع مع موضوعات ومشکلات اللغة والابستمولوجيا والمنطق والميتافيزيقا، فإن مشکلة الأمانة والخيانة في نقل وترجمة النصوص تظل أحد أهم المشکلات التي تتعلق بالترجمة. سوف أناقش في هذا البحث موضوع الترجمة بين الأمانة والخيانة مع تطبيق الأمر على موضوع تعدد النصوص المترجمة في مجال الفلسفة من خلال النظر فى أحد أهم الکتب التى صدرت فى مجال فلسفة العلم فى النصف الثانى من القرن العشرين وتعددت ترجماتها إلى اللغة العربية وهو کتاب توماس کون "بنية الثورات العلمية".
الترجمة بين الأمانة والخيانة:
عند تناول قضايا الترجمة ومشکلاتها، يدور الحديث فى الأغلب الأعم حول ثلاثة عناصر أساسية يتعين مراعاتها فى عملية الترجمة؛ وهى دور القائم بعملية الترجمة أو المترجم، ثم المصدر أو النص الأصلي المراد ترجمته source language والتي نقلت إلى اللغة الفرنسية بعبارة langue source أى لغة الأصل أو بعبارة langue de départ أى لغة الانطلاق، وأخيرا اللغة المنقول إليها أو الهدف target language التي نقلت إلى الفرنسية بعبارة langue cible"لغة الهدف" أو بعبارة langue d'arrivéلغة الوصول.