إن البحث في إشکالية عصر تاريخى ما؛ من شأنها تعميق دراسة ذلک العصر, ومن المقرر أنه لا يوجد عصر ما من عصور التاريخ دون أن توجد فى ثناياه إشکاليته الخاصة به النابعة من ظروفه ذاتها, وأود التقرير بأن عصر الحروب الصليبية التى شنها الغرب الکاثوليکى على مسلمى بلاد الشام وأعالى العراق ومصر وشمالى أفريقيا على مدى القرنين المذکورين, يوصف وبحق بأنه عصر معقد فى ترکيبته السياسية, والاقتصادية, والدينية, والعرقية إلى آخر تلک المفردات بحيث يمکن القول أنه العصر "الأنموذج" فى إشکاليات الکتابة التاريخية, فقد شهد الصدام العنيف – على کافة الأصعدة والمستويات - بين حضارة الغرب الأوربى وحضارة الشرق الإسلامى, وتعددت الشعوب, والأقوام, والأعراق التى دخلت فى آتون ذلک الصراع, وبالفعل کان صراعاً عالمياً فى تلک المرحلة من مراحل القرون الوسطى, وطوال تلک القرون لم يحدث أن شهد العالم صداماً عنيفاً بمثل تلک الصورة ودفع مئات الآلاف حياتهم دفاعاً عن معتقداتهم سواء کانوا على صواب أم على باطل, کذلک تصارعت المثل والمبادىء السامية مع الدوافع المادية الدنيوية, وبمرور الأعوام والعقود سقطت أقنعة الرهبان وتم إدراک أن المصالح الاقتصادية کان لها القدح المعلى فى العديد من المواقف الحاسمة من تاريخ ذلک الصراع.