" ها قد انتصرت أيها الجليلى " !! صرخة أسى، أنَّ بها الإمبراطور الرومانى المسجى على فراش الموت وسط خيمة العرش فى ساحة القتال مع الساسانيين ، أطلقها بکل الحسرات جوليان Iulianus وهو ينثر فى الهواء حفنة من دماء کان قد قبض عليها من جرحه الغائر المميت ، ورفع بها أمام محکمة التاريخ، بقلم المؤرخ الکنسى ثيودوريت Theodoretus دعوى الاتهام فى قضية مصرعه ، وتکر الأعوام وتمضى القرون والقضاة يبحثون عن الأدلة ، ويناقشون الشهود ويدرسون الوقائع ، سعياً إلى الحقيقة ، وتوقاً إلى الوصول من بين ملفات التاريخ إلى حکم للتاريخ . ووسط تيه المساجلات تضطرب الأقوال ، ويکثر القيل والقال ، وتختلط الحقائق بالخيال ، وتتوزع الاتهامات ؛ فمن قائل إن قاتله هو أحد رجالات القبائل العربية التى شارکت فى جيشه لحرب الفرس ، ومن قائل إن السهم الذى أرداه فارسى ! ، وثالث يذهب إلى أن وثنياً من بين جنده دفعه ضيقه بتورط سيده فى هذه الحرب إلى الإقدام على التخلص منه ، ورابع يزعم أن ربات الانتقام اجتمعن وأنزلن بإمبراطور الرومان عذابهن الأليم وقتلنه ! ، وخامس يردد ما شاع فى أسواق نصيبين من أن جوليان دفعته حالة القنوط خشية الاندحار إلى جدار اليأس فأقدم على الانتحار !! ، وسادس لا يعتقد بوجود قضية أصلاً إذ يعتبر الحادثة فى حد ذاتها مجرد إهمال من جانب الإمبراطور أو حرسه الخاص . وآخرون يرون أن العبارة التى أطلقها جوليان وهو يعالج سکرات الموت لا تحمل إلا الاتهام الصريح للمسيحيين باغتياله.