تعد کتابات سير القديسين Hagiography أحد أهم المصادر غير التقليدية لتاريخ الإمبراطورية البيزنطية، إذ أنها نوع من القصص الدينى الشعبى کتبه رهبان ورجال دين بيزنطيون، بعضهم معلوم وآخرون مجهولون، يسردون فيه ويخلدون من خلاله سير القديسين البيزنطيين ومعجزاتهم کما سمعوها وتناقلتها الألسن جيلا بعد جيل، أو ربما کما تخيلوها هم أنفسهم، ومن ثم تکمن قيمته في أنه أشبه بأدب السير الشعبية الذى، وإن امتلأ بالمعجزات والخوارق،  يقدم عبر صفحاته مادة وفيرة وفريدة من نوعها عن الحياة اليومية للمجتمع البيزنطى، والأهم أنه يعکس ثقافة هذا المجتمع، والأفکار والآراء والاتجاهات التقليدية الشعبية السائدة فيه.           وفي مطلع القرن العشرين، وضع هيبوليتوس ديليهاى Hippolytos Delehaye دراسة هامة عن الکتابات الهجيوجرافية ، استعرض فيها طبيعة هذه الکتابات وأصولها ومناهجها والعناصرالتقليدية المتضمنة فيها والإتجاهات النمطية لکتابها، ووضع تصنيفا لفئات القديسين البيزنطيين، وکان أول فئتين فيه : (1) القديسون المشتغلون بالعلاج على وجه القصر، (2) القديسون متعددو البراعات، وهو تصنيف يوضح إلى أى مدى کان العلاج المقدس يمثل دورا ووظيفة أساسية للقديس البيزنطي ، فإذا کانت کافة معجزات قديسى الفئة الأولى، أو على أقل تقدير الغالبية العظمى منها، مرتبطة بمهمة العلاج المقدس، فإن المطالع لسير قديسى الفئة الثانية المتعددى البراعات، سيجد کذلک أن جانبا کبيرا من معجزاتهم إرتبط بذات النوع من العلاج، فعلى سبيل المثال کانت نحو 40% من معجزات القديسة ثيکلا Thecla St. علاجية ،  وحتى في الفئات الأخرى نجد أن مهمة العلاج لم تغب تماما عن معجزات قديسها، فنحو ثلث معجزات القديس المحارب ديمتريوس السالونيکى St. Demetrius of Thessalonike کانت علاجية.           وتهدف هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على الأسباب التي جعلت البيزنطيين يرون في العلاج المقدس وظيفة أساسية للقديس البيزنطي، وطبيعة العلاقة التي نشأت بين هؤلاء القديسين ومحترفي مهنة الطب في بيزنطة، وکيف صورها کتاب الأدب الهجيوجرافي أنفسهم، وإلى أى مدى وجدت هذه الوظيفة صدىً لدى البيزنطيين على اختلاف فئاتهم وطبقاتهم، ثم مدى تأثير ذلک کله سلبا أو إيجابا على مکانة الطب التقليدي ووضع محترفيه داخل المجتمع البيزنطي.