إن الاختلاط والحياة مع الشعوب المختلفة، إضافة إلى الاجتهاد في دراسة أخلاقهم وطباعهم، والتحقيق في دياناتهم ونظم حکمهم، غالباً ما تضع أمام الفرد مجالاً طيباً للمقارنة، کما تساعده على تقييم نظم وتقاليد بلده وموطنه، ولکون الفرد يتشکل عامة في إطار معين من التقاليد والعادات التي ينشأ عليها ويألفها، فإن حکمه على الشيء المخالف لها يأتي عادةً محملاً بقدر کبير من التعسف والتحيز، ولقد دأب أحياناً هذا الفرد أن يسخر مما يصل آذانه، أو يراه بعينيه من سلوکيات أفراد الشعوب الأخرى، مع أنه لا يدرک أنه هو نفسه قد وقع أسيراً لتقاليد وعادات لا تقل غرابة عن تلک الأمور التي تسود حياة الآخرين. ولقد اهتم الأوروبيون بالغ الاهتمام بزيارة الأراضي المقدسة منذ أقدم العصور، ولعل اهتمامهم هذا نابع من الأهمية الدينية لتلک البقاع المقدسة، کما إنهم أيضا اهتموا بتلک البلاد بغرض التجارة؛ فالمدن الإيطالية بذلت جهوداً کبيرة من أجل الحصول على امتيازات، وموانئ في الأراضي المقدسة في عصر الحروب الصليبية، کما زار بعض الأوروبيين بلدان المشرق الإسلامي من أجل الکتابة عنها، ووصف المدن والقرى والمظاهر الطبيعية بها، وقد تخللت کتابات هؤلاء الرحالة بعض مظاهر الحياة الاجتماعية لشعوب تلک البلدان والتي تضمنت عادات وتقاليد، وشرائع وممارسات دينية، وکان للرحالة الإيطاليين نصيب وافر من هذه الرحلات؛ فقد کتبوا الکثير عن شعوب تلک المناطق، إلا أنه يجب مراعاة الحيطة والحذر من بعض تلک الکتابات؛ بسبب اختلاف الثقافات والبيئات، کما أن بعض کتابات هؤلاء الرحالة ربما کان الغرض منها التشکيک في عقائد وممارسات المسلمين، ونحن بصدد سبر أغوار کتاباتهم بمقارناتها مع بعض الکتابات الأخرى سواء کانت لرحالة أوروبيين آخرين، أو لمؤرخين مسلمين.