Subjects
-Tags
-Abstract
لقد اقتضت طبيعة المنازعات التي تثيرها التجارة الدولية البحث عن وسائل تکفل الحفاظ على استمرارية العلاقات بين أطرافها، وتکون بمنأى عن سلوک سبل اللدد والتمادي في الخصومات، في ظل تعقيد الإجراءات أمام قضاء المحاکم، إلى حد يصل إلى إنکار العدالة أحياناً، وفي ظل بعض الوهن الذي يعترى قضاء التحکيم وارتفاع تکاليفه وکذا المعاملة التي تلقاها الأحکام الصادرة عنه، بحيث بدأ ملحوظاً أنه لا يلج الإخصام طريقهما إلا خائفين، وعندئذ لا جناح عليهم إن هم أعرضوا عنهما، وخلوا إلى أنفسهم وتسوية منازعاتهم بما يحقق مصالحهم.
کل ذلک، دعا إلى التفکير في الوسائل الودية لتسوية المنازعات، کالتوفيق والوساطة والتفاوض کي تساهم بدور فعال في حل النزاعات التي تثور بين أطراف التجارة الدولية.
يراعى أن الوسائل الودية لتسوية المنازعات هي الأقدم ظهوراً، فهي الوسائل التي فطر الناس عليها وأعملوها، حينما تعاملوا فيما بينهم، وتشابکت علاقاتهم، ونزع الشيطان بينهم، وبغى بعضهم على بعض، وجحد کل منهم حق الآخر، وتنازعوا واختلفوا. فإن رجع کل منهم إلى الحق، اتصل بصاحبه، وجادله بالحسنى في رؤيته حول ما يدعيه، ويحدوه الأمل في أن يصلح الله بينهما، فإن بدا الأمر عصياً صبراً على ما أصابهما، وحاولا أن يبعثا أحداً من غيرهما يتوسطهما، عسى أن يوفق بينهما، وينهى نزاعهما.
وتلک الوسائل الودية قد تکون نظماً مباشرة، کالتفاوض والصلح، حيث يلتقى الخصوم شخصياً وجهاً لوجه، يتدارسون أسباب وأوجه شقاقهم، وکيفية تجاوز ذلک، ويصلوا إلى کلمة سواء بينهم، تحقق ما ينفعهم ولا يضرهم.
وقد تکون تلک الوسائل نظماً غير مباشرة کالتوفيق والوساطة، يتخذ فيها أطراف النزاع نفراً من غيرهم يجدون فيه محط ثقتهم، ليقارب بينهم، ويعمل على استنهاض أفکارهم، ويأخذ بأيديهم إلى إبرام اتفاق تسوية، ويصحبون به متوافقين، بعد ما کانوا متنازعين مختلفين.
لذا، وجدت الوسائل الودية – کالتوفيق والوساطة – البيئة الملائمة للمساهمة بدور أکثر إيجابية في تسوية منازعات التجارة الدولية. ولقد تعاظم هذا الدور بعد نجاحها في حسم العديد من القضايا. ويعزى ذلک إلى أنه ليس من الضروري أن يتمکن الطرف المحايد – الوسيط أو الموفق – إلى تسوية کلية أو شاملة لعناصر النزاع، وإنما قد يتوصل – وهذا الغالب – إلى تسوية جزئية لبعض المسائل التي آثارها الأطراف. فالراجح أن يقوم الأطراف بمساعدة الطرف المحايد إلى تجزئة عناصر النزاع، وإجراء التصالح على کل جزء منها حتى لا تنتهى عملية التسوية بالفشل.
ومن ثم، أضحى للتوفيق دور واضح في مجال التجارة الدولية؛ إذ تطور معاملات التجارة الدولية، والتقدم العلمي والتقني الهائل، وما ترتب عليه من ضرورة مسايرته، من خلال التعويل على وسائل بديلة – منها التوفيق – لفض المنازعات، مع الأخذ بعين الاعتبار بانصراف رغبة أطراف المنازعات إلى تحقيق العدالة الناجزة، بتکلفة أقل، وبإجراءات سريعة وميسرة، ورغبتهم – أيضاً – في المحافظة على العلاقات وانتظامها واطرادها فيما بينهم. ومن منطلق الاعتبارات السابقة، جعلت العديد من مراکز ومؤسسات الدولية الاکتراث بالتوفيق باعتباره وسيلة لتسوية المنازعات، وقد أخذ الاهتمام به، منحنى کبيراً، تمثل في تبنى تلک الوسيلة وجعلها في مصاف الوسائل البديلة لفض المنازعات، فقد اهتم به المنظمات الدولية – وعلى سبيل المثال لجنة اليونسيترال التابعة للأمم المتحدة حيث أعدت القانون النموذجي للتوفيق التجاري عام 2002، وکذلک التشريعات الوطنية، والمراکز والمؤسسات التي تقدم خدمات التحکيم بجانب التوفيق، فافردوا للتوفيق من اللوائح لتنظيمها مع إيضاح الأسس التي يرتکز التوفيق.
DOI
10.21608/las.2021.212917
Keywords
التوفيق, تسوية المنازعات, التجارية والاستثمار
Authors
Last Name
محمد محمد العيسوي
MiddleName
-Affiliation
أستاذ القانون التجاري المشارک - قسم الأنظمة
کلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة القصيم
Email
-City
-Orcid
-Link
https://las.journals.ekb.eg/article_212917.html
Detail API
https://las.journals.ekb.eg/service?article_code=212917
Publication Title
روح القوانين
Publication Link
https://las.journals.ekb.eg/
MainTitle
-