الاتجار بالبشر قديم قدم الإنسانية ذاتها فقد عرفت کافة مراحل التاريخ الإنساني الرق أو العبودية، فکان الاتجار بالبشر تجارة مشروعة علنية، بل کانت هناک قوانين تنظمها، وکم لاقت الإنسانية عبر تاريخها الطويل الکثير من انتهاکاًت حقوق الإنسان تحت مسمى هذه التجارة السوداء التي سلعتها الإنسان، تلک السلعة التي تتداول عبر الحدود الدولية دون أدنى مراعاة لحقوقه وحرياته وحرمة جسده، إلى أن ارتقى الضمير الإنساني إلى أُفق مهذب، فبدأت مع أواخر القرن التاسع عشر الحرکات المناهضة للعبودية، وبدأت تصدر الاعلانات لإلغائها، ومن ثم تم وضع القيود شيئا فشيئا حتى تم تجريم تلک التجارة .
ومع مطلع القرن العشرين ازدادت تلک الحرکات المناهضة قوة، وصدرت العديد من اعلانات الحقوق والمواثيق الدولية التي تکرم الإنسان وتحمى حقوقه وحريات، ومن ثم صدرت القوانين الوطنية لمختلف الدول تُجريم ذلک السلوک الإنساني وتفرض العقوبة على من يرتکبه.
فانتقلت تلک التجارة من عالم العلانية المشروع إلى عالم الخفاء غير المشروع، واستمرت العبودية وتطورت في الخفاء حتى يومنا هذا، وتکيفت مع الظروف وتطور المجتمعات خاصة مع ما يشهده العالم اليوم من تطور علمي وتکنولوجي، لتظل باقية تسبح في سماء اللامشروعية المظلم تلتقط نسيج الحماية الذي نسجه المشرع عبر نضاله الطويل لحقوق الإنسان وحرياته وکرامته.
وتبدوا خطورة جرائم الاتجار بالبشر في أنها تشکل تهديداً وانتهاکاً صارخا للأمن الإنساني، ذلک المصطلح الذى ظهر بعد نهاية الحرب الباردة، وأصبح يغطى کل ما يهدد حياة الإنسان في کل جوانبها، سواء في المجال الاقتصادي وهو ما يعرف بالأمن الاقتصادي، أو المجال الغذائي وهو ما يعرف بالأمن الغذائي، أو المجال الصحي" الأمن الصحي"، المجال البيئي "الأمن البيئي"، أو المجال السياسي" الأمن السياسي" ،أو مجال شخص الإنسان" الأمن الفردي أو الشخصي أو الجسدي"، أو في المجال الاجتماعي" الأمن المجتمعي"، فمصطلح الأمن الإنساني فضلاً عن ذلک أصبح يحوى بين جوانبه أمن الدولة وأمن المجتمع.