ينهض البحث بدراسة الحقول الدلالية ضمن الإطار المنهجي العام لعلم اللغة، للکشف عن الأوجه الدلالية المتنوعة في قصيدة فتح عمورية، من خلال رد کل مفردة إلى معجمها الحقلي الذي تنتمي إليه، ثم البحث في المظاهر والسمات التي تتضمنها تلک المفردات الحقلية، وتحديد العلاقات الدلالية بين تلک السمات، ثم أثر هذه العلاقات في فهم نص القصيدة وجلاء معانيها المستترة والظروف المحيطة بنظمها.
          ثم قسم هذا البحث إلى قسمين اثنين؛ الأول يتناول الحقول الدلالية، وفيه تمت دراسة کل من حقل الموجودات (الحية وغير الحية) وحقل المجردات وحقل الأحداث، والثاني يدرس مظاهر التعدد الدلالي، کالترادف والتضاد والمشترک اللفظي.
وکانت نتائج البحث مستخلصة من الإحصائيات المعجمية والعلاقات الدلالية، فظهر اعتماد الشاعر على الدلالتين المرکزية والهامشية للألفاظ بشکل متوازٍ، وسيطرة ضميري الغائب والمخاطب على حقل الأحداث إزاء ضمير المتکلم، ومحدودية حقل الألفاظ الدالة على الحيوان باقتصارها على الأسد والظليم، وتوظيف حقل النبات الدلالي فيما يخدم غرض القصيدة.
کما أن الشاعر رکز على الألفاظ الدالة على العنف والحرب؛ حيث إن السياق تطلب منه وصف مجريات المعرکة وأهوالها، وبسالة کل من الأعداء والممدوحين، لبيان أهمية النصر وقيمة الفتح العظيم وتخليد هزيمة الروم على يد الجيش الإسلامي بقيادة الخليفة المعتصم، ولذلک کان حقل ثنائية الحرکة والثبات متميزًا بالألفاظ الدالة على الحرکة بشکل واضح، فالمعرکة تتطلب هذه الحرکة، وسرعة الأحداث تتطلبها أيضًا، والإيقاع الحماسي في القصيدة ليس مقامه الثبات والسکون.
ويعد نص قصيدة فتح عمورية نصًّا زاخرًا بالمعرفة في مستويي اللغة والمعجم، ولذلک تم اعتماده ليکون مدونة لهذا البحث؛ إذ إن الشاعر اعتنى بحسن نظمه واختيار ألفاظها وحسن انتقاء المفردات، وسما بنصه ليحظى بالتداول والشيوع بين الناس منذ عصره إلى عصرنا هذا.