ينتظم فن الرسائل ضمن مظاهر الرقي الحضاري ووسائل التواصل الإنساني الرفيع، وهو حاجة إنسانية ماسّة، ومظهر للتفاعل بين المنظومات، يتبادلون فيها المشارکة بالمناسبات الاجتماعية على اختلافها، وقضاء حوائجهم، وقد اتسعت الأنشطة الحضارية في العصر العباسي، وکثرت النوائب والأحداث وتنوعت، ورافقها ألوان من الفقد والفواجع، وصاحبها الحزن والأسى والقلق، ونتج عن هذا کله رسائل التعزية. وقد برع الکُتّاب في تلک المکاتبات، وتوسلوا إلى تنوع اللفظ، وثراء التعابير، وتعدد المضامين واختلاف الرؤية، کما ترتبط تلک الرسائل في العصر العباسي بالانفعالات النفسية والمشارکة الوجدانية، ويغلب عليها التأمل والتفکر، وتفيض بالدعوة إلى العمل الإنساني الذي يدفع الفاقد لمواصلة العمل وتحمّل البلاء والشّدة، فطاقة الکلمة المکتوبة تمثل قوة في التعامل مع آلام الموت، وفراق الأحبة، کما أن المتوفى ينتظر ناتج عمله الإيجابي بعد وفاته؛ وهذا مدعاة للأحياء ليستثمروا لحظاتهم الدنيوية لقطف ثمار التعب.