القراءات القرآنية أهم مصادر السماع وتأصيل القاعدة في الدرس اللغوي؛ إذ هي المصدر الوحيد من مصادر السماع الذي حظي بالتوثيق والتنزيل من الله سبحانه وتعالى على نبيه ﷺ، فهي مصدرٌ اجتمعت فيه کل شروط الصحة في الاستشهاد اللغوي، والسماعُ بإجماع العلماء أوَّل أدلَّة العربية، والحُجَّة الأولى لتقرير القاعدة، حتَّى إن سيبويه يصرِّح بأنَّ القياسَ لا يَنهض دليلًا يُعتدُّ به إنْ لم يکن له مُستندٌ من السماع عن العرب، فقال: «ولو أن هذا القياس لم تکن العرب الموثوق بعربيتها تقوله، لم يُلتفت إليه»( ).
ويذکر الشاطبيُّ أن «السماع أوَّلُ، وهو مقدَّم على القياس، والقياسُ تابعٌ له، يقول: «فإن القياس عند أهل اللسان تابع غير متبوع، أي: تابع للسماع من العرب، فالسماع هو الحاکم على القياس، وليس السماع تابعًا للقياس، فلا يکون القياس حاکمًا على السماع، ولذا قال الإمام: (قِفْ حيثُ وَقَفُوا، ثُمَّ فَسِّرْ)( )، فأخذ الناسُ هذا أصلًا يرجعون إليه»( ).
والمقصود بالسماع: «ما ثبت في کلام من يوثق بفصاحته، فشمل: کلام الله تعالى وهو القرآن الکريم، وکلام نبيه ﷺ، وکلام العرب قبل بعثته وفي زمنه وبعده إلى أن فسدت الألسنة بکثرة المولَّدين نظمًا ونثرًا، عن مسلمٍ أو کافرٍ»( )، وقد تبين مما سبق أن السماع على أنواع: القرآن الکريم بقراءاته التي هي أهمُّ أرکانه، وأسُّ عماده، ومدارُ الحجة فيه، والحديث النبوي الشريف، وکلام العرب من شعرٍ ونثرٍ.
وما يهمنا في هذا الفصل هو إبراز موقف البصريين والکُوفِيِّين من القراءات القرآنية قبولًا وردًّا.