خلق الله الانسان وكرمه تكريماً, وسخر له ما فى الكون لخدمته, وأمده بنعم لا تحصى, وأهم هذه النعم؛ أسرة تحتضنه وترعاه وتمنحه من الحب والدفء والعطاء ما يجعله ينشأ نشأة سوية, ويكون قادراً على أداء دوره, والتفاعل بإيجابية مع مجتمعه .وتعد الأسرة من أهم المؤسسات الاجتماعية, نظراً لأنها تمثل همزة الوصل بين الفرد والمجتمع؛ حيث أنها تعد الأداة الرئيسة لتنشئة الأبناء, كما أنها تؤدى دوراً مهماً فى تشكيل شخصية الفرد, وتكوين الاتجاهات الاجتماعية لديه.
وعلى الرغم من أهمية الأسرة فى تربية وتنشئة الطفل تنشئة سوية إلا أن بعض الأسر تتعرض لظروف حياتية واجتماعية صعبة غير مناسبة لنمو شخصية الأبناء نمواً سليماً؛ مثل تصدع الأسرة وتفككها, كما يحدث في بعض حالات الوفاة والطلاق وزواج أحد الوالدين أو كلاهما, أو مرض الأب مرضاً يستحيل معه أن يقيم قواعد الأسرة السوية, أو أن يخضع أحد الوالدين أو كلاهما لتنفيذ حكم بالسجن, أو غير ذلك مما يؤدى إلى وجود أطفالٍ بلا مأوى أو بلا أسرة طبيعية.
إن شعور الطفل بأنه لا ينتمى إلى أسرة حقيقية وتنشئة طبيعية يؤثر فى نموه وتوافقه النفسى ويثير قلقه وربما يؤدى إلى اضطراب عام فى شخصيته (إخلاص عبد اللطيف, 1991: 48). ويؤثر حرمان الطفل من والديه تأثيراً كبيراً على شخصيته وهذه التأثيرات تستمر مدى الحياة إن كانت شديدة, حيث يمثل فقدان أحد الوالدين أو كلاهما هزة عاطفية لها تأثيرها السالب على صحة الطفل النفسية فيما بعد (هيلن دوتشى, 1990: 157).
ومما لاشك فيه أن إيداع الطفل فى دور الرعاية يجعله يشعر بأنه مختلف عن باقى الأطفال الطبيعيين؛ مما يدفعه إلى التفكير السلبى الدائم والتساؤلات المزعجة حول نفسه وعالمه ومستقبله الغامض.إن أكثر ما يشعر به الأطفال المودعون فى دور الرعاية هو سوء التكيف عموماً وانخفاضاً فى مستوى الإحساس بالأمن النفسى وعدم الإحساس بالانتماء للمجتمع الذى يعيش فيه حيث ينتقل من دارٍ إلى دار بحسب سنه, ويتغير من يقوم على رعايته من مرحلةٍ إلى أخرى وهذا يولد لديه اضطراب وشعور دائم بعدم الاطمئنان والأمان (إيمان ابراهيم, 1993).
ويعتبر الأمن النفسى من الحاجات المهمة لبناء الشخصية الإنسانية حيث أن جذوره تمتد من الطفولة وتستمر حتى الشيخوخة عبر المراحل العمرية المختلفة, وأمن المرء يصبح مهدداً إذا تعرض لضغوط نفسية واجتماعية لا طاقة له بها فى أى مرحلة من تلك المراحل؛ مما يؤدى إلى الاضطراب الذى يلزمه المساندة والدعم أو الإرشاد والعلاج (محمد جبر, 1996: 80).
وقد حاول بعض الباحثين لإجراء دراسات حول الآثار النفسية السلبية الناتجة من وجود كريمى النسب أو أبناء ألأسر المتصدعة و من ليس لهم مأوى ؛ بينما تهتم الدراسة الحالية بفئة من الأطفال الأيتام (الذكور) الذين نشأوا بعيدًا عن أسرهم الطبيعية , بهدف اكتشاف عالمهن والتعرف على مخاوفهم المستقبلية وتحسين مستوى الأمن النفسى لديهم.