لقد ترک لنا فلاسفة وکتاب القرن الثامن والتاسع عشر إرثا ثقافيا غنيا للغاية . فمؤلفاتهم تفيض بالأفکار الرصينة التي تساعدنا علي إيجاد الحلول لکثير من المشاکل التي تظهر من حين لآخر. ونظرا لأن التعصب ينتشر بين الناس کالمرض ونظرا للعنف الذي يصاحبه, رأينا انه من الضروري الاستعانة بآرائهم في توعية الناس بالمخاطر التي تنتج عن اعتقاد بعضهم بأن عقيدتهم هي الأسمى وأنهم وحدهم هم الذين يمتلکون الحقيقة المطلقة.
لقد تناولنا في هذه الدراسة فکرة الاستعلاء الديني بمفهوميها الإيجابي والسلبي. مما لاشک فيه أن الاستعلاء الديني (religiocentrisme)أو شعور أتباع دين ما بأن عقيدتهم هي الأفضل بين العقائد يجعلهم أکثر تمسکا بها ويقوى صلتهم بإخوانهم في الدين أوالمذهب.ولکن عندما يصل
الأمر بالإنسان إلي حد اللجوء للعنف لفرض عقيدته, فان هذا يؤدى إلي زعزعة الاستقرار في المجتمع.هنا تکمن خطورة الاستعلاء الديني.
إن شعور الإنسان بتفوق دينه علي بقية الأديان ليس محلا للنقد . فکل أصحاب العقائد لديهم هذا الشعور. وفي حالة ضعفه يتحول الإنسان إلى عقيدة أخرى أو يلحد.کما أن هذا الشعور لا يمکن أن يکون سببا للتعصب . فحب الدين والإحساس بأنه هو الدين الحق وما سواه باطل لا يمکن أبدا أن يقود إلي التعصب والاقتتال. فليس هناک دين يحض علي قتل الآخر أيا کانت معتقداته.لکن عندما يقترن الاستعلاء الديني بشخصية مضطربة وسريعة التأثر بالخطب الحماسية التي يلقيها الظلاميون والکتابات المسمومة التي يؤلفونها فعندئذ تبدأ الخطورة.
الدراسة تتناول أيضا فکرة التعددية الدينية والمؤاخاة الإنسانية وتدعو إلى قبول الآخر .فالتعددية الدينية والتعايش السلمي بين الأديان,کما يؤکد فلاسفة وکتاب القرنيين الثامن والتاسع عشر, عاملان مهمان لاستقرار المجتمع والنهوض به وحمايته من الطغيان السياسي.