يأتِي هذا البحثُ تَتِمَّةً للجهودِ المبذولةِ لکشفِ اللثامِ عن حقيقةِ المُفارقةِ الشِّعريَّةِ، ومدى ما يُمکنُ أنْ تُحقِّقَه تطبيقاتُها في شتَّى مناحيها من استکناهٍ لمُراداتِ الشاعرِ وتَصوَّراتِه للوقائعِ الشَّعريةِ من خلالِ منظوماتِه، في مُحاولةٍ حثيثةٍ منِّي لاستکمالِ ما بدأهُ الذين سبقونِي في هذا المضمارِ، وقد اعتزمتُ مواصلةَ ذلکَ الطَّرحَ بتوجُّهٍ جديدٍ يتناولُ أثرَ (المُفارقةِ الشِّعريَّةِ) في بعضِ قصائدِ ديوانِ أحدِ شُعراءِ الأندلسِ المعروفِ بِـ(مَرْجِ الکُحْلِ) بِبيانِ تمظهُراتِ المُفارقةِ في مُختاراتٍ مِن شِعرِه، ومدَى ما حقَّقتْه مِن تجلِّياتٍ فريدةٍ انمازَ بِها عَمَّن سِواهُ في تصويرِ معانيهِ وخطابِه بطريقةٍ مُبتکرَةٍ تُبرِزُ مقاصدَ خطابِه الشِّعرِيِّ في قالبٍ مُفعَمٍ بالحَيَويَّةِ والجِدَّةِ مِن خلالِ ذلکَ الانزياحِ الأُسلوبيِّ قويِّ النَّزعةِ. وکيفَ أنَّ لتلکَ المُفارقةِ بروزًا باديًا وحُضورًا طاغيًا في الشِّعرِ العربيِّ القديمِ لا يقلُّ شأنًا فيه عن حُضورِه الذي حدَّه لهُ النَّقَدَةُ الحداثيُّونَ في الشِّعر الحديثِ.حينما يتتبع القارئ الدراسات والأبحاث التي تناولت شعر ابن مرج الکحل يجدها تُعني في أغلبها بجانب واحد من الإبداع لدى الشاعر إمَّا بشعره ، وإمَّا بنثره، لذا يأتي اختيار هذا الموضوع؛ لدراسة المفارقة في إبداع ابن مرج الکحل الشعري، لافتًا النظر إلى الأهميّة الکبرى لهذه الظاهرة في نتاجه الشعري.