Subjects
-Abstract
يقول اثناسيوس السکندري في کتابه "في تجسد الکلمة": "الشر هو اللاکينونة والخير هو الکينونة، نظرًا لکونه صادرًا عن الله الذي هو کائن."
خلق الله الإنسان بإرادة حرة کي يختار فعل الخير أو الشر، وحين يختار فعلًا شريرًا يدخل الشر إلى العالم بفعل الإنسان المستقل تمامًا عن الله؛ ليجني الإنسان ثمار أفعاله. فالخير إذن لا يوجد في العالم نتيجة الرضا الإلهي، ولا يوجد الشر کسخط من الله على ما اقترفه البشر من خطايا وآثام؛ ذلک لأن حياة الإنسان لا قيمة لها بدون الصراع الأزلي بين الخير والشر. فالأشياء الخيّرة في حياتنا أقل من الأشياء الشريرة، على اعتبار أن الخير أمرًا جوهريًا والشر أمرًا عَرَضْيًا؛ لأن الشر لم يکن طبيعة متأصلة في النفوس، بل طبيعة مکتسبة، وأن تقديرنا للأشياء الخيّرة والشريرة نتعلمه من وقائع الحياة التي تؤکد انتصار الخير والقضاء على الشر.
فالخير والشر ليسا إلا نوعين مختلفين من الخير، فلا يوجد خير محض خاليًا من أي شر، ولا شر محض خاليًا من أي خير، فکلٍ منهما يستمد کينونته من حيث علاقته بالآخر، فلولا وجود الشر ما کان للخير وجود، ولحقق الإنسان الخير بطريقة آلية؛ نظرًا لأنه لا يملک أدنى قدر من الحرية. لذلک قال الأستاذ عباس محمود العقاد: يوم أن عرفنا الشر کان فاتحة خير.
وقد فطن بعض فلاسفة العصور الوسطى إلى أن الإرادة الإنسانية خيّرة في حد ذاتها، وأن وجود الله لا يتنافى مع وجود الشر، وإنما ينشأ الشر عن إساءة استخدام الإنسان لهذه الحرية. ومع هبة الحرية هذه وردت إمکانية الخطيئة وفعل الشرور والآثام؛ لکونها حرية مخلوقة ناقصة، وبالتالي فهي عرضة للشر والفساد؛ لأن خيرها يفتقر إلى الثبات والسمو لکونها تقع في منزلة دون منزلة الله. واتجاه الحرية الإنسانية نحو الشر ما هو إلا نتيجة لسعيها لخير زائف.
ومن هنا ظلت مفارقة الخير والشر مشکلة محورية في ميتافيزيقا الدين عند القديس أوغسطين (354-430م) حيث ذهب إلى أن الشر ليس جوهرًا بل إنه غياب الخير، وانحراف الإرادة المخلوقة عن الخير الثابت. وقد قضى أوغسطين تسع سنوات معتنقًا للثنائية المانوية القائلة بإلهين: إله النور أو الخير ويمثله "أهورا مزدا"، وإله الظلام أو الشر ويمثله "أهريمان"، حيث رأى فيها وسيلة لفهم العالم المرکب من الخير والشر، وحلًا لمعضلة الشر بإسناده إلى موضوع أنطولوچي هو الجسد، حيث إن الروح وفق المانوية مستمدة من إله الخير، بينما الجسد مستمد من إله الشر، ثم هجرها واعتنق الشک مذهبًا. ثم اتجه إلى الأفلاطونية المحدثة التي غيَّرت اتجاهه الفکري بعد مطالعته لکتب الأفلاطونيين وبخاصةً "تاسوعات أفلوطين" التي فسرت وجود الشر في العالم على أن مصدره المادة. وبعد ذلک اعتنق المسيحية عام 386م.
DOI
10.21608/philos.2020.140513
Authors
MiddleName
-Affiliation
باحثة ماچستیر في الفلسفة القدیمة وفلسفة العصور الوسطى ـ کلية الاداب ـ جامعة الاسکندرية
Email
-City
-Orcid
-Link
https://philos.journals.ekb.eg/article_140513.html
Detail API
https://philos.journals.ekb.eg/service?article_code=140513
Publication Title
سلسلة أبحاث المؤتمر السنوي الدولي" کيف نقرأ الفلسفة"
Publication Link
https://philos.journals.ekb.eg/
MainTitle
مفارقات الخير والشر فى ثيوديسيا القديس أوغسطين