تظهر المفارقة بوضوح فى تناول القديس أوغسطين Augustine St.(430-345م) , وطرحه لمشکلة وجود الشر (The Problem Of Evil) .
وهى من ابرز المسائل التي شغلت أوغسطين ولذلک کانت محوراً في أهم کتابين له وهما : "الإعترافات" The Confessions , و"مدينة الله"The City Of God , حيث يقول أن التاريخ البشري کله صراع بين مدينة الله أورشليم , ومدينة الشر بابل .المدينة الأرضية ويخلص إلى أن الشر موجود ولکن ليس ککيان إيجابي قائماً بذاته , بل أنه انتفاء وعدم للخير . ويعزي هذا النفي إلى إرادة الإنسان الحرة . وهذا التفسير للشر اللاکياني , يعود إلى أفلاطون أولاً , ومن ثم تعززت لدى الرواقيين . الذين قالوا أن الخير فى الأساس يتجسد في الإنسجام مع القانون الطبيعي والإستسلام لکل شيء ذلک لأنه قدر محتوم لا مفر منه .
وقد اثارت لديه تساؤلات عدة بهدف الوصول إلى حل لها . ولعل من أهم تلک الأسئلة التى تجيب عنها کتاباته المختلفة : ما المقصود بالخير والشر , ما دوافع ارتکاب الإنسان للشر وفعل الخير ، وطبيعة هذه الدوافع , ومصدرها .
ونجد أن الإجابة التقليدية المسيحية لمشکلة الشر صيغت لأول مرة على يد أوغسطين والخطوط الأساسية لهذه الإجابة قد اتبعت من قبل عدد کبير من المفکرين المسيحيين اللاحقين عليه . ويمکن القول أيضاً إن محاولته لحل التناقض بين وجود الشر ووجود الله هي أول محاولة موسعة وجدية ومنظمة في مجال الفکر الديني .إن کل ما هو موجود , بنظر أوغسطين , هو خير , لأن کل ما خلق الله هو حسن , کما جاء في الکتاب المقدس . فإذا کانت جميع الأشياء التي خلقها الله خيرة , فإن ما نعده شرا ليس جوهرا , لأن لو کان جوهرا لکان خيراً , فإن ما نعده شرا ليس جوهراً , لأنه لو کان جوهرا لکان خيرا , فهو في حقيقته عدم الخير, ومن ثمة هو لا وجود . وهذا يعني أن الوجود والخير متساويان . وبالتالى , لا يمکن القول أن الله هو سبب شيء غير موجود أو سبب غياب الخير , إن أوغسطين بهذا الأسلوب , يحاول أن يبرأ الله من تهمة أن يکون موجد الشـر في العالم , فالخيرية , إذن , صفة جوهرية لله , فهي ليست شيئا أن يصادف أن يملکها الله , بل هي شيء يملکها الله بالضرورة .
وإذا کان نظام الکون يعکس حکمة الله ورحمته فما الذي يفسر وجود الشر على نطاق واسع جداً , سواء کانت شرور طبيعية أو خلقية ؟. ولماذا لا يوقف الله الشر بما أنه کلي القدرة والصلاح ؟. ومن هنا نشأت مشکلة الشر . ومن بين الحلول العديدة المقترحة لحلها , هناک من حاول ايجاد مصالحة بين قدرة الله وصلاحه وبين وجود الشر بجميع انواعه .