ربما لا يکون من قبيل المبالغة ما وُصف به «سلافوي جيجيک»Slavoj Žižek (1949-...؟) من أنه: «أخطر فيلسوف سياسي في الغرب اليوم». إن هذا الوصف يُعبِّر- إلى حد کبير- عن طبيعة توجُّهاته ومواقفه اليسارية وآرائه المثيرة للجدل. وعلى کلٍ، فإن أطروحاته تستمد أهميتها من ناحيتين: الأولى غزارة إنتاجه، وتنوُّع اهتماماته الفلسفية التي تغطي موضوعات تتقاطع عبر مجالات وميادين مختلفة بدءًا من الفلسفة، والسياسة، والاجتماع، وعلم النفس، مرورًا بالسينما، والأدب، والإعلام، وصولًا إلى النقد الثقافي. أما الناحية الثانية فهي نابعة من جملة انتقاداته للنظام الرأسمالي، وخاصة الأسس الليبرالية التي يرتکز عليها. ومن ثَمَّ فقد جاء هذا البحث ليتناول أطروحته حول الأيديولوجيا، من خلال الکشف عن البنية التي تحکمها، والخصائص التي تتميّز بها، والأبعاد التي تشتغل عليها، وعلاقة ذلک بنظريته في الثورة، مع الترکيز على دراسة جيجيک للأصول الأيديولوجية للحروب والنزاعات المختلفة التي يواجهها الإنسان المعاصر، والتي تُعَدُّ الرأسمالية العالمية المتسبب الأول فيها. أما عن إشکالية البحث الرئيسة فتتمثل في محاولة الإجابة عن هذا التساؤل: ما جوهر العلاقة بين الأيديولوجيا والثورة في فلسفة جيجيک السياسية؟ ويتفرع عن هذه الإشکالية الرئيسة مجموعة من التساؤلات الفرعية المرتبطة بها، والتي سنحاول الإجابة عنها أيضًا من خلال الاعتماد على منهجين أساسيين: المنهج التحليلي في عرض وتحليل رؤية جيجيک للأيديولوجيا والثورة، والمنهج النقدي بغرض الوقوف على ما تنطوي عليه آرائه ومواقفه من إيجابيات وسلبيات، وتوضيح مواطن الأصالة والتقليد فيها. وقد رأينا تقسيم البحث إلى خمسة محاور أساسية، ويتضمن کل محور مجموعة من العناصر الأساسية والفرعية التي تکشف عن نظريته في الأيديولوجيا والثورة، ومعالجته للقضايا والمسائل الأخرى المرتبطة بها، وهذه المحاور على النحو الآتي: المحور الأول: الأيديولوجيا بوصفها ممارسة مادية. المحور الثاني: مستلزمات الأيديولوجيا. المحور الثالث: سمات الأيديولوجيا وخصائصها. المحور الرابع: الليبرالية الجديدة وحدود العنف الأيديولوجي. المحور الخامس: الروح الجديدة «لرأسمالية ما بعد الحداثة».