نسعى في هذا البحث إلى استکناه ماهيّة الزمن في کونه مقياس ا لوجود الأشياء، ودوره
في إحداث أثر تتغ يّر بفعله الاتّجاهات وتتحوّل الرؤى وأطر التفکير، ويطرح البحث سؤالا مهما
يتلخّص في دور المسافة/ المکان في إحداث هذا الأثر المقاس بالزمن.
يعدّ الزّمن ثيمة وجوديّة ارتبطت بالأحداث وأماکن حصولها، وهو کيان مؤثر بالتتابع
القبليّ والبعديّ ، معنيّ بالقياس والإطلاق، ومن ذا يکون الزمن مرتبط ا بعُمر الإنسان، وأحداثه
المتتابعة، وکفيلا بأن يرسم أثراً ويمثّل عاملاً مؤثراً في تحديد لحظة الاستدعاء للکتابة عن أحداث
حصلت في زمن سابق واستشراف رؤى لزمن آتٍ .
يعدّ کتاب "مذکّرات أميرة عربية" سيرة ذاتيّة للسيّدة سالمة بنت سعيد بن سلطان آل
سعيد ( ١٨٤٤ م- ١٩٢٤ م)، کتبته في ألمانيا بعد أن تخلّت منذ أکثر من قرن عن أسرتها، وهجرت
وطنها وملک أبيها في عمان وزنجبار لترحل إلى برلين بعد أن تتزوج بألماني، وتعيش في برلين
عشرين عاما، ثم تقرر أن تکتب کتابا عن حياتها بعد أن تغيّر اسمها إلى إميلي روث.
نسبر في هذا البحث کيف کان للزمن تأثيره وعمقه بين لحظتين فارقتين هما لحظة وقوع
الحدث ولحظة الکتابة أو زمن استدعائه، وفي هذا نعمّق النظر في أهم أطر الشعور بالوجود
والتوق إلى الحرية في زمن کانت فيه الأميرة على تماسّ مع مفهوم العبود يّة، فتو لّدت مع الزمن
رغبة إلى الحرية، ثم ندرس تأثير مرور الزمن ليکون عاملا من عوامل استدعاء زمن آخر
ليکون لذّة تمارسها الذّات تستمدّ منها القوّة على مقاومة ال لّحظة الراهنة وما تعانيه فيها، بعد أن
تکالبت الأحداث على امرأة تربي أبناءً في أرض لم تولد فيها.
نسأل في البحث عن علاقة الهُويّة بالزمن، ونقرأ النصّ في إطار حرکة الوقت وما تحدثه
في الهويّة وما الذي يغ يّر انتماءاتها، ثم يأتي زمن آخر لتستدعي الذات فيه زمنا آخر تبحر معه
إلى مکان وزمان آخرين، فما طبيعة هذه الهوية التي تأخذ من الزمن عاملا من عوامل الوجود
والبقاء؟ ثم کيف تحرّک الزمن في السيرة؟ وهل شکّل الزمن الفاصل عاملا من عوامل التأثير
لتکون هناک علاقة بين زمن الحدث وزمن استدعائه، وکيف نمثل لهذه العلاقة؟