يعد الزمن من المفاهيم الأساسية في الفلسفة. فهو المفهوم الأکثر حضورًا مع الکينونة في الساحة الفکرية. لقد تطور مفهوم "الزمن" عبر التاريخ انطلاقا من زمن الأساطير وتعددية الالوهة، مرورا بالأديان الموحدة بلوغا إلى زمننا الوضعي. فالفکرة التي تخترق هذا المسيرة التاريخية الطويلة هي أن الزمن کان ينظر إليه "من قبل أفلاطون إلى حتى روسو، تدمير بطيء، وتدهور حتمي (entropy)، أو خسارة (بحسب هؤلاء المفکرين): فحاول البشر عبثًا وضع نموذجًا مثاليًا للکينونة وصورا ثانوية "للمُثل" والأشکال الإلهية. فأحد تلک النماذج کان الانموذج البشري. لکن هذه المحاولات باءت بالفشل، فالنسخ التي يبدعها البشر هي دائمًا أسوأ من النموذج". طرح الوجوديون الوجود الشخصي والفردي ضمن منظور "زمني" وعلى أنه "مدة" (durée) تمتد بين الولادة والموت. وهذا الحيز الوجودي هو بالحقيقة حيز زماني. فالولادة هي "دخول" في الزمنية. فيثير "تدفق"- الکائن-الزمن، من لحظة کينونية (الولادة) الى لحظة کينونية أخيرة (الموت)، تساؤلات على سبيل المثال: إن کان الوجود نسيجًا يمثل مکان أو لحظة تلاقي الکينونة بالزمن وتلاحمهما، فمن يُسيَر من: الکينونة أم الزمن؟ أو تساؤلات تتلخص في بحث أنطولوجي عن الهوية: إن کان التقدم في السن إجابة تدريجية على "من نحن ولماذا نوجد؟"، هل الزمن يکشف هوية الکائن أم يدمرها؟ إن کان الفناء هو النهاية المحتومة وأن الزمن عامل مدمر بشکل أساسي، الا تصبح فالحياة عندئذ معاناة مستمرة لأننا نرزح تحت رحمة جريان الزمن ووطأة تقلباته. إن کان الموت ختاما لزمننا الوجودي، هل علينا أن نخشى الزمن کعدو أو، على العکس، هل يمکننا أن نجعل منه حليفا؟ هل نحن ضحايا الزمن الذي من المحال نحاربه أو نستخدمه؟ توجه هذه التساؤلات القارئ إلى دراسة طبيعة الزمن وعلاقته بمصير الانسان وغائيته. هکذا تقضي هذه الدراسة الولوج إلى مفهوم "الأبدية" وعلاقته بالزمن لکون الزمن يمثل ماضي الموجود وحاضره أما مستقبله يتوجه نحو طبيعة زمانية تختلف عن الوجود الزمني: أي أبدية الموجود البشري. لقد اخترنا سورين کيرکجارد الذي طرح هذه الإشکالية بشکل واسع ضمن مؤلفاته التي سعت إلى التساؤل عن معنى وجود الانسان.