ثمة لفظان للزمان عند اليونان: کرونوس Chronos، کيروس Kairos. الکرونوس هو الزمان الکمى، أى الزمان الذى تدلنا عليه الساعة، أما الکيروس فهو الزمان الکيفى، أى الزمان الذى يشير إلى حدوث حادث من شأنه أن يجعل فعلًا ما ممکنًا أو محالًا.
وقد آمن کل من أرسطو ونيوتن بالزمان المطلق، أى أنهما آمنا بأن المرء يستطيع دون أى لبس أن يقيس فترة الزمن بين حدثين، وأن هذا الزمن سيکون هو نفسه أيًا کان من يقيسه، بشرط أن يستخدموا ساعات جيدة، والزمان هو بالکلية منفصل ومستقل عن المکان. وقد وضعت قوانين نيوتن للحرکة النهاية لفکرة الموضع المطلق فى المکان. وتخلصت نظرية النسبية من الزمان المطلق.
فالأفکار الحالية عن حرکة الأجسام ترجع إلى جاليليو ونيوتن، وکان الناس قبلهما يصدقون أرسطو، الذى قال إن الحالة الطبيعية لجسم ما هى أن يکون ساکنًا، وأنه لا يتحرک إلا إذا دفعته قوة أو دافع. والفارق الکبير بين أفکار أرسطو وأفکار جاليليو ونيوتن هو أن أرسطو کان يؤمن بحال من السکون, يتخذه أى جسم ما دام لا تدفعه قوة أو دافع. وکان يعتقد أن الأرض ساکنة، على أنه يترتب على قوانين نيوتن أن ليس ثمة معيار وحيد للسکون، وعدم وجود معيار مطلق للسکون يعنى أن المرء لا يستطيع أن يحدد إذا کان حدثان قد وقعا فى أوقات مختلفة هما مما حدث فى نفس الوضع من المکان.
وکان الناس يؤمنون بزمان مطلق، بمعنى أن أى حدث يمکن عنونته برقم يسمى "الزمان"، بطريقة وحيدة. فکل الساعات الجيدة تتفق على الفترة الزمنية ما بين حدثين. على أن اکتشاف أن سرعة الضوء تبدو متماثلة لکل من يلاحظها، أيًا ما کانت طريقة حرکته، قد أدى إلى نظرية النسبية، وفى هذه النظرية يکون على المرء أن ينبذ فکرة أن ثمة زمانًا مطلقًا وحيدًا. وحسب نظرية النسبية العامة، لابد وأنه کان هناک فى الماضى حالة من کثافة لامتناهية، الانفجار الکبير Big Bang، الذى يکون بداية فعالة للزمان. وبالتالى فإن مفهوم الزمان لا معنى له قبل بدء الکون.
وقد دفعنى إلى اختيار هذا الموضوع عدة أسباب هى على النحو التالى:
1- إشکالية الزمان مثلت واحدة من أمهات المشاکل الفلسفية التى تفتح آفاقًا دائمة لتناولها مجددًا؛ لذلک دأب معظم الفلاسفة على طرح رؤاهم التجديدية لإشکالية الزمان.
2- إن الجوهر الأرسطى جعل المقولة الأولى، أو ما يتصدر أعم أجناس الوجود، ليس الجوهر، بل مقولتى الزمان والمکان.
3- الوقوف على التصور اليونانى، والتصور العلمى عند کلٍ من أرسطو ونيوتن.
4- الکوزموس Cosmos أو الکون الذى تتعامل معه الفيزياء الحديثة هو المادة التى تتحرک عبر المکان خلال الزمان، والنظرية الفيزيائية العامة هى التى تحدد قوانين هذه الحرکة، ومن ثم، فإن الزمان والمکان صلب عالم العلم، أو الوجود الذى يتعامل معه العلم.
5- إن تقولب کل وجود فى قالب ما من الزمان والمکان هو بؤرة من بؤر الوعى الإنسانى فى کل مستوياته: من الحس المشترک إلى التفکير العلمى إلى الفکر الفلسفى.
6- جاء بحث الزمان الفلسفى مرتبطًا بجملة من المسائل التى تتعلق ببحث المتغير والثابت.
7- الزمان الفلسفى والزمان الفيزيائى الکلاسيکى واحدًا، فکلاهما يعتبر الزمان مطلقًا، بينما الزمان فى الفکر العلمى أصبح بحسب النظرية النسبية ليس مطلقًا بل نسبيًا.
8- ما دامت الحرکة فى النظرية النسبية هى منشأ الزمن کان من الطبيعى أن يختلف الزمن باختلاف المرجعيات المتحرکة أو الساکنة.