يشهد العالم اليوم تغيرات کثيرة وسريعة في ترکيبة المجتمعات والمنظمات التي تمثلت في النمو الاقتصادي والتسارع التکنولوجي الهائل ، وإن هذه التغيرات لم تحدث نتيجة التطورات التکنولوجية الحديثة فقط ، إذ نمت وتطورت مفاهيم واتجاهات جديدة في الفکر الإداري المعاصر نجحت في تطبيقها العديد من المنظمات في الدول المتقدمة ، وأکدت على أن نشأة المنظمات ونموها وبقاؤها وانهيارها واضمحلالها لا يقتصر فقط على الجانب التکنولوجي في المنظمة ، وإنما بما تتبناه وتطبقه من مفاهيم إدارية حديثة ، لذلک توجهت أنظار الباحثين والمختصين في جميع المجالات العلمية والعلوم الإنسانية والاجتماعية نحو دراسة هذه المفاهيم مؤکدين أهمية تطبيقها في المنظمات ، ومن أبرز هذه المفاهيم رأس المال النفسي الذي يُعد أحد أهم الأدوات التي تستطيع المنظمات من خلاله مواکبة التغيرات ومواجهة التحديات وتحقيق الأهداف .(خوين ، 2017)
تنطلق الإدارة الحديثة في اهتمامها بالموارد البشرية من قناعة أساسية بأن الإنسان لديه قدرات وطاقات ذهنية تفوق بکثير ما يتم استغلاله والاستفادة منه في مواقع العمل الفعلية ، وأن المصدر الحقيقي لتميز المنظمات وقدرتها على تحقيق إنجازات متميزة يکمن في الاستفادة القصوى من هذه القدرات والطاقات الذهنية المتاحة لهذه المنظمات ،ورغبة في استغلال طاقات وإمکانيات الفرد فقد ظهر مع بداية عام (1999)علم جديد يُعرف بعلم النفس الإيجابي يرجع الفضل في وضع لبناته الأولى إلى Martin Seligman رئيس الجمعية الأمريکية لعلم النفس آنذاک وکان من أهم ما يهدف إليه هذا العلم هو تعزيز الفعالية الذاتية للفرد حيث أنه يرکز على کيفية استغلال نقاط القوة لديه بدلاً من الترکيز على نقاط الضعف والقصور دون إهمال السعي للتخلص منها والتعامل معها (غربية ،2016 ) ونتيجة لذلک فهو يهدف إلى تنشيط الفعالية الوظيفية والکفاءة والصحة الکلية للموظف أکثر من الترکيز على المشکلات الوظيفية وعلاجها .(Seligman,2002)
يعتبر رأس المال النفسي امتداداً لکل من علم النفس الإيجابي والسلوک التنظيمي الإيجابي (Seligman,2002)، وقد نال موضوع رأس المال النفسي أهمية بالغة في الفکر الإداري کونه يتعامل مع الجانب النفسي والمعنوي للعاملين في المنظمات فالحالة النفسية تملک أثراً کبيراً في تعزيز الأداء المتميز, فضلاً عن أن وجود مستويات من أس المال النفسي الايجابي يمکن ان يسهم في زيادة مشارکتهم في العمل وتحفيز اتجاهاتهم نحو التغيير التنظيمي.(الفتلاوى ،2017)