ينهض هذا البحث بدراسة جمالية المکان في سورة الکهف ، وتبيان دورها في بناء القصة ، فالتصوير الفني في القرآن يرتقي بالصورة التي يرسمها ، ويجعلها نابضة بالحياة عن طريق الحرکة المتجددة لينتقل بالمتلقي إلى مکان الحدث المرتبط بالزمان ، فالکهف اسم السورة ومرتکزها ، ولعل السبب في ذلک يعود إلى دلالة المکان (الکهف) ؛ تلک الدلالة التي تشي بالتحصن ، فکأن العنوان ضم في باطنه حقيقة السورة من الناحية الدلالية وأصبح لغزا تعمل قصص السورة على فکّه، وعندما يکون العنوان الکهف ، فإن دلالته مزدوجة ؛ فمن الناحية المادية کان المکان الذي لجأ إليه الفتية ، ومن الناحية المعنوية يعد الحصن من الفتن ، کما ترکز على عوامل التغيير، فيتم الانسجام بين اسم السورة وقصة الفتية ، وکذلک في قصة صاحب الجنتين ، وقصة موسى والخضر، وقصة ذي القرنين.
وفي هذا البحث کان الترکيز منصبا على عنصر المکان في القصص القرآنية الواردة في سورة الکهف وما فيه من دلالات جمالية ، لقد تفاعلت الجماليات المکانية في القصص الأربعة التي ارتکزت عليها هذه السورة ، وأسهمت في حمل رؤيتها الدينية التي تکشف عن الفتن الأربعة التي يتعرض لها الإنسان في حياته وتعالجها بطريقة فريدة حملت في طياتها النصح والموعظة .