أن معرفة التاريخ هي الخطوة الأولى لبناء التطور المستقبلي للأمم لذا فإن النظر إلى نشأة التعليم العالي في مصر يسهم في التعرف على أحد أبعاد المشکلة التعليمية في مصر، کان النظام التعليمي الحديث من أهم التطورات التي شهدتها مصر في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وقد ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالمشروع السياسي النهضوي الذي ارسى دعائمه محمد على باشا حاکم مصر (1805- 1848) حيث لم يکن هناک نظام تعليمي بالمعنى الدقيق، فلم يکن هناک سوى الأزهر، والذي اقتصرت فيه الدراسة على قراءة کتب الدين واللغة وشرحها وفقد العلماء القدرة على السبق والإبداع والابتکار. بالإضافة إلى بعض المدارس الملحقة بالمساجد، والکتاتيب بالمدن والقرى والتي اقتصر دورها على تحفيظ الأطفال القرآن وعن طريقه کانوا يتعلمون القراءة والکتابة.   يأتي إدخال التعليم الحديث في مقدمة الظروف التي هيأت سبيل التجديد الفکري، واذا کان بناء الجيش الحديث يمثل محور حرکة الإصلاح الذي قام به محمد على، فإن ذلک تطلب تنظيم الإدارة والاقتصاد مما تطلب وجود خبرات وکفاءات لا يستطيع أن يوفرها التعليم التقليدي.^([1]) وهکذا نشأ التعليم الحديث في مصر بمعنى أدق کان مشروع محمد على هو أقامت جيش أقيمت له دولة، فقد کان محمد على حريصاً على توفير الکوادر اللازمة للإدارة والإنتاج ولدور السلطة الجديد في مجال الخدمات وأن تکون تلک الکوادر من أبناء البلاد، فقد ارتبط التوسع في التعليم بحاجات الحکومة إلى الأفراد للخدمة في مصالحها، کما تم إيفاد البعثات إلى أوروبا وخاصة فرنسا لدراسة العلوم الحديثة: الطب والهندسة والإدارة والقانون.
[1]- رءوف عباس حامد، تطور الفکر العربي الحديث، القاهرة: دار الفکر العربي، 2007، ص7.