عندما سُئل العالم المشهور ألبرت آينشتاين لماذا يبدي اهتمامًا بالمستقبل قال: " ببساطة, لأننا ذاهبون إلى هناک", غير أنَّ المشکلة التاريخية في التعامل مع المستقبل هي في القدرة على معرفته، فالحاضر شاخص بيننا، والماضي عرفناه وخبرنا وقائعه، لکن المستقبل يمثل المساحة الزمنية المجهولة تمامًا ([1]) .
لذا يعتبر الاهتمام بالمستقبل شيئًا مميزًا أو سمة بشرية ظهرت منذ فجر التاريخ, وبهذا کان للفلاسفة والمؤرخين دورٌ کبيرٌ في الماضي في الإعلاء من شأن التفکير بالمستقبل بصورة مباشرة وغير مباشرة, حيث کان يُحيَّ التنبؤ بالمستقبل ويصفه بأنه أسمى الفنون, وبهذا اهتم البشر دائما بالمستقبل, وکان ذلک ظاهر بوضوح في کل الحضارات القديمة حيث سعت بهذا إلى تطوير وسائل وأساليب التنبؤ بالمستقبليات.
وتعتبر الدراسات المستقبلية محاولة لاستکشاف المستقبل وفق الأهداف والخطط, وهي ليست نتاجا للتقدم العلمي الحديث بل هي جزء من الثقافة البشرية وتفسيرًا للعملية المستقبلية وبهذا اتضحت الدراسات المستقبلية على أنها نستند على عدد من الأسس وأنها أکثر جدل وإثارة وترکيز على الأهمية الحاسمة للبدائل, کما أصبحت الدراسات المستقبلية تشکل علمًا وجهدًا علميًا منظمًا لتوضيح التحديات الحالية والمستقبلية, وميدانًا من ميادين المعرفة يزداد الاهتمام بها في الدول المتقدمة وتشهد بذلک تطورات متلاحقة في مناهجها وأساليبها وتطبيقاتها حتى صارت لها مکانة مرموقة بين سائر ميادين المعرفة, ولم يعد ثمة حرج في الإشارة إلى هذا الميدان باعتباره علمًا من العلوم الاجتماعية .
ومن دون شک فإنَّ علم المستقبليات يحاول وصف المستقبل ورسمه وتحديده بواسطة الحاضر ويهتم ببناء الأسس الفکرية المستندة بشکل لا جدال فيه إلى المعطيات العلمية لتمکنه من الاستحکام والتثبيت من معلوماته التي تخص الظاهرة المراد استشرافها .
(1) وليد عبد الحي : مناهج الدراسات المستقبلية وتطبيقاتها في العالم العربي , الطبعة الأولى (أبو ظبي , مرکز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية , 2007م) , ص7 .