الملخص
لعل الحبس الاحتياطي هو أکثر الإجراءات الجنائية التي نالت اهتمام رجال القانون وغيرهم, بحسبانه الإجراء الأخطر الذي ينال من حرية المتهم فيسلبهُ إياها بشکل مؤقت رغم افتراض براءته, ولهذا الإجراء ماضي ملوث, وبالتالي فقد حاولت جُل التشريعات الحديثة الحد منه, بل وإلغاؤه في بعض الجرائم, واستبدال بعض التدابير غير السالبة للحرية به.
ورغم ما تعرض له الحبس الاحتياطي من انتقادات حادة, فإنه لا يزال يُمثل جزءًا مهمًا من منظومة الإجراءات الجنائية التي تهدُف إلى الحفاظ على المصلحة الاجتماعية, ممثلةً في صيانة التحقيق والنأي به عن العبث والتأثير المُضلل.
وإذا کانت سهام النقد ما فتئت توجه إلى الحبس الاحتياطي في ذاته ـــــ أي کقرار مبدئي يوجه إلى المتهم بعد استجوابه ـــــ فإن تجديد الحبس الاحتياطي أو تمديده بعد نهاية مدته يضحى محل انتقاد أکثر حدة, لأن الحبس الاحتياطي المبدئي إن کان ينال من قرينة البراءة, فتجديده والتوسع في هذا التجديد يؤدي إلى الإيغال في النيل من هذه القرينة, على النحو الذي يمکن معه القول بأن "تجديد الحبس الاحتياطي هو تجديد للتغول على قرينة البراءة".
وإذا کان تجديد الحبس الاحتياطي بشکله التقليدي ــــ الذي يتم النظر فيه عَبر جلسات تقليدية تجري داخل قاعة المحکمة, ويتصل فيها المتهم بمحاميه وبقاضيه الطبيعي ــــ قد نالته انتقادات متکررة, فإن تجديد الحبس الاحتياطي الذي يجري عبر عقد جلسات افتراضية بواسطة وسائل الاتصال السمعي البصري سيزيد من حدة تلک الانتقادات, إذ إن هذه الجلسات الافتراضية ستُلقي بظلال من الشک حول احترام حقوق الدفاع, وعلى مدى الحفاظ على الرابطة النفسية التي تنشأ بين المتهم وقاضيه الطبيعي عند التواصل المباشر بينهما, ومن ثم فإن هذا النظام الجديد يثير العديد من المشکلات التي تدفع في سبيل عدم قبوله.
وهذه المشکلات وجدت صداها في القضاء الفرنسي, خاصة حين تطرق کلٌ من مجلس الدولة ومحکمة النقض إلى النظر في مدى قانونية آلية تجديد الحبس الاحتياطي عن بُعد ــــ وهي الآلية التي تقررت بتنظيمها الجديد محل البحث بموجب الأمر رقم 303 لسنة 2020 ــــ إلى أن فصل المجلس الدستوري في مسألة دستوريتها بتاريخ 15 يناير سنة 2021م.