المقدمة:
على مر التاريخ تشتعل الحروب بين البشر، ولم تهدأ حتى يومنا هذا، فهناک ثلاثة عشر سنة من الحروب مقابل کل سنة من السلام ([1]).
ومن المعضلات الرئيسية التي تواجه الدول المتحاربة، الأعداد الهائلة من الأسرى الذين يقعون في قبضة أعدائهم، والمصير المجهول الذي ينتظرهم ([2]). فالأسر جزء من مقتضيات الحروب على مر العصور، لا مفر من حدوثه، وهنا تأتي أهمية وضع قواعد للتعامل مع الأسير.
ولم تکن للأسير قبل الإسلام حقوقاً مستقرة، بل کان القتل أو الاسترقاق هما – في الغالب – مصير الأسير في الحضارات المعاصرة لظهور الإسلام.
وبظهور الإسلام وضعت الشريعة نظاماً وحدوداً معروفة، مدونة ومتکاملة للأسير، قبل أن يعرفها القانون الدولي الحديث بقرون. ويعد المؤلف محمد حسن الشيباني أول مؤلف فقهي في القانون الدولي الإنساني ([3]).
وقد وضع الإسلام أحکاماً تعطي للأسير حقوقاً کثيرة، وجاءت حقوق الأسير في المعاهدات الدولية الحديثة متطابقة – إلى حد کبير – مع نظيرتها في الإسلام، وهو ما يؤکد تأثير الشريعة الإسلامية في التراث القانوني الإنساني.
ومن أهم أحکام الإسلام المتعلقة بالأسير، تحريم دمه وتقديس حقه في الحياة، باعتباره نفساً حرم الله قتلها إلا بالحق. فقد جعل الإسلام قاتل النفس بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض، کأنه قتل الناس جميعاً.
وقد أثار کثير من المستشرقين وأعداء الإسلام شبهة فحواها أن الإسلام يبيح – کقاعدة - قتل الأسرى، مستشهدين بقول الله تعالى " مَا کَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَکُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَکِيمٌ " (الأنفال - 67).
وقد تسبب في ظهور هذه الشبهة، خطأ البعض في فهم النصوص والأحداث، فضلاً عن سوء النية لدى البعض الآخر، وسنحاول – بشکل موضوعي – الرد على هذه الشبهة بما يتوافق مع النصوص القرآنية وسنة النبي صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية.
ويظهر للمدقق في ممارسات الدول والثقافات غير الإسلامية - قديماً وحديثاً – بَوناً کبيرأ، يؤکد سمو تعامل الإسلام مع الأسير من خلال أحکامه وضوابطه، بما يحفظ للأسير حياته وأدميته.
مشکلة البحث:
تتعلق بما يثار من شبهة حول تعامل الإسلام مع حق الأسير في الحياة، وأن الإسلام – على غير الحقيقة - يجيز قتل الأسير بالإطلاق. هذا في الوقت الذي شهدت فيه کثير من المنازعات الدولية الحديثة انتهاکات واضحة لحق الأسير في الحياة. وفي هذا البحث نجتهد في إبراز حقيقة حکم الإسلام بخصوص حق الأسير محل البحث.
[1] - د محمد عزيز شکري، دراسات في القانون الدولي الإنساني، دار المستقبل العربي، ط1،القاهرة، 2000، ص1.
[2] - د عبدالواحد الفار، أسرى الحرب، رسالة دکتوراه، جامعة عين شمس، القاهرة، 1997، ص68.
[3] - د صلاح الدين عامر، الشريعة الإسلامية وحقوق الإنسان، المجلة المصرية للقانون الدولي، المجلد 65، 2009، ص5.