اعتاد الباحثون أن يطلقوا لفظة صورة على الأبحاث التقليدية التي تتعرض لتمثلات کيان ما (جماعة عرقية، جماعة دينية، نوع أو جندر، طبقة، دولة) في محتوى وسائل الإعلام. ولکن دراستنا هذه تفارق دراسات الصورة إلى استعمال المفهوم المستخدم في البحوث العلاماتية والثقافية المحدثة، ألا وهو تمثل أو Representation . والشيء الذي نرصد تمثلاته في دراستنا هذه هو وسائل الإعلام التقليدية والجديدة؛ وسائل الإعلام التقليدية المتمثلة في: الصحافة المطبوعة والراديو والتليفزيون الأرضي أو الفضائي، الحکومي أو الخاص. أما وسائل الإعلام أو الاتصال الجديدة فتتمثل في: شبکة الانترنت وتحديدا شبکات التواصل الاجتماعي داخلها: الفيس بوک، تويتر، اليوتيوب. أي أن هذه الدراسة ترصد کيف يصوّر أو يمثل خطاب الکاريکاتير دور وسائل الإعلام في الثورات العربية تطبيقا على ثورة 25 يناير المصرية، وکذا کيف يصوّر أو يمثل خطاب الکاريکاتير المتحکمين في هذه الوسائل والمستفيدين منها على حد سواء، من السلطات السياسية والجماهير. ولذا فهي دراسة في جوهرها تبحث أيضاً تمثلات الأنظمة السياسية العربية التقليدية ذات المرجعية القبلية أو العشائرية أو العسکرية في خطاب الکاريکاتير العربي، وذلک في مواجهة الجماهير العربية التي خرجت ثائرة على هذه الأنظمة. ولما کانت هذه الدراسة ترصد تمثلات وسائل الإعلام التقليدية والجديدة في فن إعلامي معين ألا وهو الکاريکاتير، فإنها - وبشکل لا مباشر- ترصد کيف ترى وسائل الإعلام بعضها البعض أو بالأحرى کيف ترى وسائل الإعلام نفسها. وأحد أهم الأسباب التي دعت الباحث لاستبدال التمثل بالصورة، اختلاف الباحثين بشأن مفهوم الصورة من حيث بنيتها ومکوناتها، إذ قدموا بشأنها تعريفات متعددة بعضها متضارب لکن أغلب الباحثين يميلون إلى تبسيط المفهوم أکثر من تعقيده، وهم يعدون الصورة لا تتجاوز کونها مجرد تصوراً ذهنياً قد يکون حقيقة صادقة أو وهماً باطلاً. ويمکن تقديم تعريف للصورة بأنها: "انطباعات ثابتة لا تؤثر فيها الأحداث المتغيرة وهي ذات محتوى غاية في البساطة، حيث لا تحتوي إلا على العناصر المتميزة للموضوع، وهي تعد أحد شروط تکوين المعتقدات والاتجاهات، وهي أيضاً من السمات الثابتة التي تأخذ شکل العقيدة الجماعية والتي تصاغ على غير أساس علمي أو موضوعي تأثراً بأفکار متعصبة تتسم بالتبسيط"⁽¹⁾. والصورة الإعلامية لا تعني فقط الانطباع والتصور العقلي المقصود لدى القائمين على الوسيلة الإعلامية حيال جماعة عرقية أو جندر أو طبقة أو دولة بعينها، ولکنها تعني أيضا کيف ظهرت هذه الصورة في شکل نص إعلامي في ظل جملة من المرتکزات، أهمها السياسة الإعلامية المنبثقة أساساً من سياسة الممول لهذه الوسيلة، سواء کانت الدولة أو رجال أعمال وذلک بهدف تشکيل جملة من الأفکار حول تلک الجماعة/الجندر/الطبقة تريد الوسيلة تقديمها للجمهور. والصورة الإعلامية هي بالأساس صورة في فکر صانع القرار الإعلامي المسيطر على وسيلة الإعلام، والذي يرسم ملامح بخطوط عريضة تتناسب طردياً مع مدى سيطرة صانع القرار على الوسيلة، وبهذا تتحدد هوامش الحرية التي تترکها السلطات سواء کانت سلطة الدولة أو النظام الإعلامي أو الممول الاقتصادي، وبالتالي فإن تعليمات صانع القرار الإعلامي تنتقل إلى القائم بالاتصال الذي يحدد طبيعة تلک الصورة من خلال (فلترة) أو تصفية المادة الإعلامية فتلوين المواد الإعلامية يکون من خلال تقديم تلک الصورة بطرق وأشکال متعددة ومختلفة لکنها في النهاية تصب في الاتجاه الذي يحدده صانع القرار الإعلامي.