فإنَّ موضوع هذا البحث ملامح التَّساهُل اللُّغوي عند الشاعر المــــَهْجري إيليا أبي ماضي ، ولا يتصل هذا البحث بدراسة العُدول عن المألوف ، أو عمَّا توافق عليه النُّحاة في استخدام اللُّغة إلى غير المألوف ، إنَّما يتعلَّق بدقة استخدام النَّمط المـــِعْياري ، وذلک بالکشف عن درجة توافق استعمال الشاعر مع ما أقرَّه النُّحاة من قوانين .ومن المعروف أنَّ لغة الأدب يُفترض بها أنْ تُظْهِر التميُّز لأنَّها" لغة فردية خاصة ، تصدر عن اختيار واعٍ ، ومِنْ ثَمَّ کانت خروجا عن النمط المعياري Deviation from the norm  ، ومِنْ هُنا أيضا کان قول القائلين بأنَّ الأسلوب هو الرجل ، أو بأنَّ الأسلوب کبصمات الإنسان . على أنَّ  هذا الخروج عن النمط العادي ينبغي ألَّا يُؤخذ ضربة لازب لأنَّ اللُّغة العادية التي يدرسها علم اللُّغة إنَّما تُقدِّم العناصر العامة في لغة الحياة ، ولا تنفصل عنها لغة الأدب ، لکنَّها تقيم معها علاقة خاصة باستخدام عناصرها نفسها لبناء هياکل جديدة خاصة بها مضيفة إلى اللغة قواعد جديدة في الصوت وفي الکلمة وفي ترکيب الکلام أي أنَّ لغة الأدب – بمعنى آخر – تکشف عن الطاقات التعبيرية الکامنة في اللغة العادية والتي لا تظهر إلا باستخدام الفرد لها استخداما متميِّزا . " ^([1])
وفردية لغة الأدب وخروجها عن النمط المعياري وإضافتها لقواعد جديدة کلّ أولئک لا يُقْصَد به أنَّ لغة الشعر تُدْرَس في نطاق الانحراف عن قوانين اللُّغة المــِعيارية وحسب ؛ فالانحراف عن هذه القوانين يدرس بعض الظَّواهر اللُّغوية في النَّص الشِّعري وليس جميعها " فالنَّص الشِّعري – إذن – لا يُمَثِّل مجرَّد خرق لقوانين نظام آخر ( لغة النثر أو غيرها ) ، ولا يُمکن أن يظلّ عبر جميع مکوِّناته انتهاکا أو انحرافا عن معيار ، أو أنْ يُصبح ما فيه من انتهاکات هو الجدير وحده بصفة الشِّعرية والموافق لقوانين اللُّغة العادية غير شعري . " ^([2])
کما أنَّ کشف لغة الأدب للطاقات التعبيرية الکامنة في اللُّغة العادية ينبغي أنْ يتحقَّق دون فساد اللُّغة والنحو ، فالبَوْنُ شاسعٌ بين کشف لغة الأدب عن الإمکانات التعبيرية للُّغة وبين أنْ تُنْعت عند بعض الشُّعراء بأنها لغةٌ غير مُنْضَبِطة صرفا ونحوا ودلالةً ، وأنْ تتجاوزَ مظاهرُ عدمِ الانضباطِ المــــــُخَالفاتِ المـــــَقبولةَ التي تُسمَّى الضَّرورات الشِّعرية .