يعرض هذا البحث لدراسة صوتية، يرتکز عليها کل من الميزان الصرفي والميزان العروضي؛ إذ إنّ الصوت يعدّ النواة واللبنة الأولى في عمل کل منهما على حد سواء، وهو الطريقة المثلى - کذلک - لاستکناه کثير من الحقائق اللغوية.
            وتسعى هذه الدراسة جاهدة لإيجاد الأسس المعرفية، وأوجه الاتفاق والاختلاف بين الميزان الصرفي والعروضي، وبيان العلاقة التبادلية بين کل منهما، وهي في  سبيل ذلک تصل إلى بعض الحقائق أو النتائج، التي يعدُّ من أهمها: أنَّ الميزان الصرفي ميزان معياري، يهتم بالبحث عن الحروف الأصول؛ ولذلک فهو يتبع نظرية الفونيم والکتابة.
            أمَّا الميزان العروضي، فهو ميزان وصفي، يصف الصور الصوتية (الفونات Phones واحدها "فون" Phone) کما يطلق عليها علم اللغة الحديث، وقد يمکن تسميتها بالحروف الفروع^([1]) في مقابلة ما يعرف في ثقافتنا العربية بالحروف الأصول، وذلک کله انطلاقاً من التفرقة الأصيلة بين مصطلحي الصوت والحرف.
            وکذلک فإنَّ من أهم النتائج التي توصَّل إليها البحث، إدراک الخليل بن أحمد تضليل الکتابة، ووهم الخط العربي في بعض الأحيان، وقد تمثَّل ذلک في إهماله وحدات موجودة بوضوح في الشعر العربي، مثل ( /55)، وهي التي ذکرها حازم القرطاجني^([2]) فيما بعد باسم السبب المتوالي، وفي المقابل أثبت وحدات أخرى نادرة في الشعر العربي، بل يشکک الکثيرون في وجودها، مثل الوتد المفروق، وفي ذلک إلماح من الخليل إلى الصامت المضعّف، فهو "ليس في الحقيقة صوتين من جنس واحد، الأول ساکن والثاني متحرک-کما يقول نحاة العربية- وإنما هو في الواقع صوت واحد طويل يساوي زمنه زمن صوتين اثنين"^([3])، وذلک کله بغية الوصول إلى حقيقة مؤداها أنَّه لا وجود لما يسمَّى بالتقاء الساکنين، حتى في نحو: (دابّة)، و(الضالّين)، ونحو ذلک، وقد ترتب عليه استحداث الشعر العربي أوزاناً وأبنية جديدة.
            وأخيراً، فإنّ التحليل الصوتي قام من أجل الکتابة، فقد بدأ اختراع الکتابة –کما هو معروف- بتصوير الکلمات والمعاني، فلما ظهر عدم وفاء ذلک بالغرض، قام التفکير العلمي بدوره، فاهتدى إلى التحليل الصوتي .