يدرس هذا البحث إسهام جدلية العلاقة بين العربية الوسيطة والفصحى المعيارية في تأسيس النوع السردي في التراث العربي، من خلال تشکيل کثير من النصوص السردية، ذات الأشکال والأنماط والسمات المتنوعة، وبوجه خاص نصوص النادرة، والحکايتين الفکاهية، والجنسية، وبعض الأمثال المتعلقة بفئة العوام والمولدين، والمبثوثة بأسلوب فني متعمّد ومقصود في کثير من الموسوعات الأدبية التراثية، وبعض الکتب الموجّهة أساسا إلى شکل قصصي محدد؛ إذ تبدو هذه الجدلية عاملا رئيسا في تصوير شتى العناصر السردية؛ إذ کانت العربية الوسيطة والمختلطة  من الأدوات الرئيسة لتصوير الشخصيات القصصية، من خلال صياغة أسلوبها الحواري؛ بما يحدد بيئاتها الاجتماعية والثقافية بصورة فنية ضمنية أکثر من تصويرها مباشرة من خلال الأسلوب السردي، في حين أسهمت العربية الفصحى في صياغة أسلوب الراوي أو الرواة في أغلب الأحيان، وعرض الأحداث القصصية المتنوعة، وهنا يظفر المتلقي بتجاور فني بين مستويين لغويين مختلفين يسهل تحديدهما، کما أن هذا التجاور – أو هذه الجدلية – کان عصب هذه الشکال القصصية، والنمط المضموني المندرجة ضمنه، وهو النمط الفکاهي غالبا. هذا إضافة إلى دراسة وعي المبدعين السرديين العرب القدماء بمحورية العربية الوسيطة وضرورتها في إبداع بعض نصوصهم السردية، التي يصعب إنتاجها دونها؛ لذا أعلنوا صراحة عن نهجهم في إبداعاتهم السردية بالارتکاز على العربية الوسيطة، فأخذوا يبررون ظهورها في نصوصهم، في مقدمات معظم أعمالهم الأدبية؛ بما يمثّل وعيا نقديا مبکرا بالنوع السردي ضمن الجنس النثري للأدب العربي القديم، ووعيا إبداعيا بتعدد أساليب صياغة النص السردي وفق أنماطه المتعددة، مثلما فعل الجاحظ، والدينوري، والآبي، والتوحيدي، وابن الجوزي، وابن مماتى، والتيفاشي، وابن فليتة، والنفزاوي، وابن سودون، والسيوطي، وغيرهم.   اعتمد البحث على المنهج الاستقرائي بتتبع آراء المبدعين حول الفصحى، والعربية الوسيطة، ورصد دلالاتها، وانعکاساتها على نصوصهم الإبداعية، وأيضا المنهج النصي الذي يتأسس على دراسة النص في بنيته الداخلية، مع محاولة ربطه قدر الإمکان بالبنيات السياقية المحيطة؛ من ثم جاء البحث في مقدمة، وتمهيد، وخاتمة، وخمسة مباحث، هي: حضور العربية الوسيطة في التراث الأدبي - الوعي النقدي بالعربية الوسيطة - الوعي الفني بالعربية الوسيطة - العربية الوسيطة والفصحى والإبداع السردي - مظاهر العربية الوسيطة في النص السردي.