المقدمة قد تناولت فيها أهمية الموضوع , والدافع من ورائه , وأهداف البحث , ومنهج الباحث .
فالهجوم على الإسلام والمسلمين ومقدساتهم منذ قديم الزمن ولايزال مستمرا إلى يوم القيامة ؛ وخاصة مصادر التشريع الإسلامي : القرآن الکريم , والسنة المشرفة , الشارحة القرآن الکريم , وکذلک الآثار الشارحة لهما , فتارة يقولون على القرآن الکريم : " أساطير الأولين " , وتارة يقولون إنه من عند محمد , وأن الذي يعلمه بشر , والمعرکة بين الحق والباطل لاتزال مستمرة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها , قال تعالى :ﭽ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﭼ ([1]) .
وقد تطورت المعرکة في العصر الحديث بأسلوب آخر , فقام فريق من المستشرقين مثل : کارل فوللرز , وباول کاله بالتشکيک في حرکات إعراب القرآن الکريم , ودلالته على المعاني الترکيبية فيها ؛ حيث قالوا إن الإعراب أمر مستحدث , لم يکن موجودا في العربية حتى القرن السادس الميلادي " القرن الأول الهجري الذي نزل فيه القرآن " , ثم اخترعه علماء العربية في القرن الثامن الميلادي " الثاني للهجرة " , وأن القرآن کان في أول الأمر غير معرب , وبعد أن اخترع علماء النحو الإعراب , طبقوا حرکات الإعراب على القرآن الکريم ([2]) , وهذا النوع من التشکيک أخطر من تشکيک السابقين , وهو يعني أن النص القرآني ناله تدخل بشري في صياغته , وهذا افتراء على القرآن الکريم الذي تولى الله حفظه ,حيث قال الله تعالى : ﭽ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﭼ ([3]) .
ومن هنا فقد أنکروا دلالة الإعراب على المعاني في اللغة العربية والقرآن الکريم.
هذا وقد نهج الدکتور/ إبراهيم أنيس - أکبر لغوي في العصر الحديث نهج المستشرقين – من جحد أصالة الإعراب , ودلالته على المعنى , فقد کتب في المسألتين تسعا وسبعين صفحة حشدها بالآراء التي تفتقر إلى الأساس العلمي ([4]) . ثم انتهى إلى ما قاله قطرب " تلميذ سيبويه ت 207هـ " من أن حرکات أواخر الکلم في الشعر الجاهلي وغيره , إنما هي حرکات للتخلص من التقاء الساکنين , والتقاء الساکنين ثقيل فحرکوا أواخر الکلم تخلصا من ذلک ([5]) ؛ لأن ( اللفظ ) في العربية يُنطق ساکنا عند الوقف عليه .
وعلل الدکتور/ إبراهيم أنيس زعمَه بأن الذي يتحکم في اختيار حرکة التخلص من التقاء الساکنين " ضما أو فتحا أو کسرا " هو الميل إلى تجانس الحرکات المتجاورة , أي تجانس الفواصل , وإيثار بعض الحروف لحرکات معينة ([6]) .
والحقيقة أن قواعد النحو استُنبطت من القرآن الکريم – کلام الله , المحکم , المعجز , خاتمة کتب الله تعالى إلى الأرض – الذي حمله إلينا أشرف رسول - خاتم الأنبياء والمرسلين , سيدنا محمد بأشرف لسان - وهو اللسان العربي المبين – الذي يُعد أصل الألسنة النبوية کلِّها , وهو معجزة النبي صلى الله عليه وسلم , تحدى الله تعالى - به الإنس في بلاغتهم وفصاحتهم , والجن في قدرتهم الفائقة , قال تعالى :
ﭽﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭼ([7]) .
ومن المعلوم أن القرآن نزل بلسان عربي مبين , قال الله تعالى: ﭽ ﭘ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭼ ([8]) ، وقال تعالى: ﭽ ﮣ ﮤ ﮥ ﭼ ([9]) ، وقال تعالى: ﭽ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﭼ ([10]) ، وقال تعالى :
ﭽ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﭼ ([11]) ، وقال تعالى: ﭽ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭼ ([12]) .
وعربيةُ هذا القرآن تقتضي أن يکون مُعْرَبا ؛ حتي لايطرأ عليه لحنٌ ولاتحريف ولاتبديل , وقد حفظه الله تعالى - کما أخبرفقال : ﭽﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﭼ([13]) .
ومنذ نزول القرآن الکريم والدراسات حوله تنمو وتتشعب , والعلوم تزيد وتتوسع , هادفةً إلى الحفاظ عليه من اللحن أوالخطأ أو التحريف والتبديل , وساعيةً إلى بيان أوجه إعجازه وشرح مراده .
وهذا القرآن مٌؤلف من الحروف التي يُؤلِف منه العرب کلامهم ؛ إلا أن إعجازه لا يمکن أن ينکره منکر , حيث قال الوليد بن المغيرة - ألد أعداء الإسلام حين سمع بعضه : " والله إن له لحلاوة , وإن له لطلاوة , وإن أعلاه لمثمر , وإن أسفله لمغدق , وإنه يُعلى ولا يُعلى عليه , وما هو بقول البشر" .
والکلام موضوع للدلالةعلى المعاني , واللفظ والمعنى متلازمان , وکما يقول صاحب الطراز : إن البلاغة : "عبارة عن الوصول إلى المعاني البديعة بالألفاظ الحسنة , أو عبارة عن : حُسْن السَّبْکِ مع جودة المعاني "([14]) .
(