تحتل اللغة العربية مکانة مرموقة بين لغات العالم على مر العصور وذلک لما تتميز به من ثراء علمي وأدبي, وبما حباها الله به؛ حيث کانت لغة کتابه العظيم وشرعه القويم, مما دفع کثيراً من المسلمين غير العرب إلى تعلمها ليتمکنوا من قراءة القرآن الکريم وأداء العبادات على الوجه الأکمل. وتوجد أسباب ودوافع أخرى تدعو إلى تعلم اللغة العربية منها دوافع اقتصادية وأخرى سياسية. وهذا جعل مؤسسات عديدة وهيئات تعليمية تسعى إلى وضع مناهج وبرامج متخصصة لتعليم اللغة العربية تتضمن مستويات متعددة لتناسب نوعيات مختلفة من المتعلمين لتحقيق الأهداف العامة والخاصة من تعليم اللغة العربية بوصفها لغة ثانية(الناقة ويونس, 1999).
وتعد القراءة مهارة أساسية من مهارات تعلم أي لغة, حيث يصعب على متعلمي اللغة التقدم في المهارات اللغوية الأخرى؛ الاستماع, والتحدث, والکتابة ما لم يتقنوا مهارة القراءة, ففهم المقروء هو غاية تعلم اللغة وهذه الغاية تتطلب من المهتمين بتعليم اللغة الترکيز على تنمية مستويات فهم المقروء ومهاراته أثناء تدريسهم اللغة وليس مجرد ضبط الأشکال اللغوية. (جاد:2003م, ص44 ) ومن الضروري الاهتمام بالاستراتيجيات الحديثة في تعليم اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى ، سواء تلک التي يستخدمها المعلمون في اکساب المتعلمين مهارات الفهم القرائي وتنميته لديهم, أم التي يستخدمها المتعلمون أنفسهم لتنمية مهاراتهم اللغوية.(الحديبي2013, ص187)
ويتوقف نجاح المعلم في أداء رسالته على فاعلية الاستراتيجيات التي يستخدمها في التدريس لذا يسعى التربويون إلى التوصل إلى استراتيجيات تساعد المعلم على إدارة الموقف التعليمي بنجاح؛ إذ لم يعد نجاح المعلم مقصور على تحقيق المتعلمين لأهداف المادة الدراسية التي يعلمها لهم بل امتد إلى ما يغرسه في نفوس المتعلمين وما ينميه لديهم من سلوک, واتجاهات, وقيم.(کوجک,1997)
ومن أهم هذه الاستراتيجيات استراتيجيات التفکير المتشعب, والتي قدمها توماس کارديليشيو وويندي فيلد ( Field Wendy& Thomas Cardellichio) في بحثهما الذي نشر في العام 1997، حيث أشارا إلى أن هناک سبعة استراتيجيات يمکن من خلالها زيادة الشبکة العصبية في المخ الإنساني، والتي من شأنها أن تسهم في تحقيق متطلبات التعلم الجيد، وتزويد المتعلمين بما يکفيهم من بيانات ومعلومات للتغلب على المشکلات التي تواجههم عند تعلمهم. (الحديبي2012, ص5-6)
تعتمد استراتيجية التفکير المتشعب على فتح وصلات بين الخلايا العصبية للمخ, مما يعمل على توسيع وامتداد الشبکة العصبية, الذي ينتج عنه توسيع فکر التلاميذ بإنتاج أفکار جديدة, وفتح المسارات الذهنية المختلفة, نعتمد علي الأسئلة بطرق وأساليب مختلفة, وتعتبرها وسيلة قوية لتشجيع التفکير المتشعب عن طريق تشکيل هيکل من سلسة من الأسئلة يمکن استخدامها مع بيانات جديدة, أو مع المعلومات القديمة بشکل جديد, فهذه الاستراتيجية تتيح الفرصة للنظر إلى الأشياء المألوفة نظرة جديدة, ومن ثم التفاعل معها بطريقة إبداعية في مسارات مختلفة غير تقليدية, فتعمل على توليد أفکار جديدة. (أبو النجا, 1434,ص6)
وتعد استراتيجية التفکير المتشعب إحدى استراتيجيات التدريس الحديثة التي تستخدم في تحسين مهارات الفهم القرائي والتي تساعد على تشعب تفکير المتعلم من خلال فتح مسارات جديدة للتفکير.
وعلى الرغم من أهمية القراءة لمتعلمي اللغة العربية الناطقين بلغات أخرى إلا أنه يوجد قصور في تعليم هذه المهارة وندرة الدراسات التي اهتمت باستخدام الاستراتيجيات الحديثة في مجال تعلم وتعليم مهارات القراءة وطرق تدريسها لمتعلمي اللغة العربية الناطقين بلغات أخرى.
ولذا جاء البحث الحالي لمعرفة مدى تأثير استخدام استراتيجية التفکير المتشعب لتنمية مهارات الفهم القرائي لدى متعلمي اللغة العربية الناطقين بلغات أخرى.