العلم والإعلام قديمان قدم البشرية، استخدمهما الإنسان لمواکبة مسيرة الحضارة، إلا أن کم المعلومات ووسائل الإعلام کانت قديما محدودة وقليلة، تحاکي المستوى الحضاري والثقافي للأمم السابقة، فالرسوم الصخرية في قلب الجبال والکهوف وفي الصحاري، قبل عشرات الآلاف من السنين، کانت بمثابة وجه إعلامي يحاکي العصور الحجرية.
يتسم عصرنا الحالي الذي نعيش فيه بالانفجار المعرفي والثورة المعلوماتية الکبرى والسيطرة التکنولوجية على معظم استخدامات الحياة التعليمية والتربوية والعلمية والثقافية والفکرية وغيرها من المجالات الحياتية الحيوية ، الأمر الذي جعل من مسالة تعليم وتعلم مهارات التفکير للمرحلة الدراسية ذات أهمية مميزة ضمن منظومات أهدافها الأساسية ،وتلقى على عاتق مؤسساتها التعليمية مسئولية تکوين السلوک المتوازن لدى طلابها في التفاعل الفکري والعملي في مواقفهم الحياتية المختلفة .(5:2)(62:3)
فلم يعد الاهتمام في هذا العصر محصوراً في بذل الجهود التربوية لإکساب طلاب الجامعات المعارف والمعلومات والحقائق والمفاهيم التعليمية المطلوبة بل أصبحت تتعداها إلى تنمية قدراتهم العقلية بمهارات التفکير وقد اهتم العلماء والباحثون بالتفکير اهتماماً واسعاً کونه أرقى النشاطات العقلية فهو غاية مرغوبة ومطلوبة لا يمکن للفرد السوي الاستغناء عنها لأنه من ارفع مستويات التنظيم المعرفي، حيث يقوم على الإدراک واستعماله يتطلب من الفرد نشاطاً عقلياً يکون أکثر تعقيداً وصعوبة من النشاط الذي تتطلبه المستويات الأخرى.(32:5)(20:6)
والتفکير عملية ضرورية في حياتنا اليومية فالطريقة التي نفکر من خلالها تؤثر في طريقة تخطيطنا للحياة وفي أهدافنا وقراراتنا ويساعد التفکير على النظر في الاختلافات بين ما نستطيع فعله وبين ما يتوجب علينا فعله ويساعدنا على التخلص من الشکوک عن طريق الاختيار بين عدد من الاحتمالات المتوافرة والناتجة عن البحث والتقصي في المعلومات الواضحة والمعقدة.(2:26)(20:7)
وعلى الرغم من أن التربويين متفقون على أن التفکير والإبداع مفتاح التربية، ومفتاح الحل لمعظم المشکلات، وعلى أهمية مهارات التفکير في النظام التعليمي، إلا أنه لا يوجد اتفاق مؤکد بينهم على کيفية تنمية هذه المهارات حيث تتوافر للمعلم العديد من استراتيجيات التدريس التي تنمي التفکير ولکل منها أهدافها واستخداماتها ووسائل تطبيقها التي تختلف من مادة إلى أخرى، وهذا يدفع المعلم إلى التعرف عليها واختيار الاستراتيجية المناسبة للدرس حيث يقوم بشرحها وتطبيقها فعلياً، من أجل إکساب الطلاب مهارات متطورة للتفکير تساعدهم على مواکبة تطورات العصر.(98:14),(96:23)
وتتفق کلا من مارى Mary(2004م), رانسوم Ransom (2003م) في أن طريقة القبعات الست هي تقسيم التفکير إلي ستة أنماط واعتبار کل نمط کقبعة يلبسها الإنسان أو يخلعها حسب طريقة تفکيره في تلک اللحظة ويعتقد أن هذه الطريقة تعطي الإنسان في وقت قصير قدرة کبيرة على أن يکون متفوقاً وناجحاً في المواقف العملية والشخصية وأنها تحول الموقف الجامد إلي مواقف مبدعة وإنها طريقة تعلمنا کيف ننسق العوامل المختلفة للوصول إلي الإبداع حسب تعريف ادوارد دي بونو.(102:24),(95:25)
وتعد استراتيجيات القبعات الست من التقنيات العالمية المتطورة ولها فاعلية وقوة وسرعة في التأثير فضلا عن ضمان الجودة في التفکير إذ يقول مبتکر هذه الاستراتيجيات دي بونو إن نظام القبعات الست في التفکير هو نظام للتفکير سهل جدا ولکنه فعال وبناء وأکثر إنتاجا ويساعد الجميع على ضبط مسارات التفکير لديهم لتنعکس على جودة أدائهم وتعمل استراتيجيات القبعات الست على توجيه التفکير وتحرير العقل من النمطية والرتابة والتقليدية السائدة في التفکير وتوصيله إلى مسارات ذات جودة عالية.(5:12),(12:20)
وبرنامج قبعات التفکير الست من أنجح البرامج التي توصل إليها دي بونو لأنه يتيح للمتعلم أن يفکر بشکل مقصود وارادى من خلال توليد المعلومات وتقييمها، والتفکير في السلبيات بشکل إبداعي وتحويلها إلي إيجابيات، کما يمکن أن يفکر إبداعياً في مزيد من الإيجابيات فلعب الأدوار الذي يقترحه برنامج قبعات التفکير الست يتيح للمتعلم أن يلعب دور المبتکر والمبدع والناقد، وممارسة التفکير بطريقة سليمة وفعالة.(25:22),(98:27)
ويذکر کلا من صالح ياسين يسرن Salih Usun (2010م) تيبيرنج Timbering (2009م) رضا منصزر(2010م) ومن فوائد برنامج قبعات التفکير الست de Bono, إنه يسهم في بناء نظم الجودة الشاملة کما أنه يقلل من الصراعات والخلافات، ويبني فرق عمل فعالة ويجعل من الاجتماعات أکثر فعالية لأنه يعمل على تحقيق التفکير المتوازي.(65:19)(65:21)(7:9)
والتحليل الوثائقي عملية متمثلة في معالجة المعلومات التي تتضمنها الوثائق وفق معايير وأساليب علمية نقوم بتحليلها لتمکين والمستفيدون بصفة عامة, من استرجاع واستيعاب موضوع الوثيقة سواء کانت في شکل کتاب أو غيره.
والتحليل الوثائقي يمثل ضرورة جوهرية, نظرا لحرص المهتمين بالمجال الببليوغرافي على الدقة والاکتمال في المعالجة الموضوعية, لمواد شاءت ظروف نشرها, أن لا تصدر دائما مستقلة, وإنما تضمنتها واحتوتها مواد اشمل منها, فجاءت نصا داخل نص.
وارتبطت استخدامات التحليل الوثائقي بالدراسات الإعلامية والاتصالية بوصفها أداة وأسلوبا للتعرف على المعلومات والتفسيرات من خلال الأنشطة الاتصالية المختلفة ،وکان هذا الارتباط والنشأة قد تولد تبعاً للحاجة الماسة التي فرضتها منهجية علم الإعلام وتعقيداته منذ بواکير القرن العشرين وتحديداً بعد طغيان الصفة الجماهيرية عبر الوسائل ،لتشکيل الخطاب الجمعي الجماهيري.(54:28)
وکانت المحاولات الأولى لاستخدامات تحليل المضمون ما قام به الباحثان( ليبمان و تشارلز ميرز) من خلال قيامهما بتحليل مضمون ( عينة من المادة الإخبارية ) المنشورة في جريدة (نيويورک تايمز)، وقد تصاعد هذا النمط من الدراسات بعدما ظهرت إمکانية الضبط والسيطرة على عوامل التحليل واستحکاماته وجدواه في الوصول إلى نتائج يمکن التعويل عليها ، وکانت مدرسة الصحافة في جامعة کولومبيا ،قد اهتمت بتحليل المضمون اهتماماً واسعاً وکبيراً في ثلاثينيات القرن الماضي للعديد من الصحف الأمريکية ،بالإضافة إلى بعض الدراسات التحليلية المتخصصة کدراسة ( جوليانت و ادواردز ) حول الأخبار الخارجية في الصحف الصباحية الأمريکية.(29)
ومن خلال ما سبق يتضح لنا أهمية عملية التحليل في تشکيل الرؤية الفکرية الإعلامية للطالبة ومن خلال ما اطلعت علية الباحثة من الدراسات (1),(15),(17) والتي أشارت إلى أهمية استخدام أسلوب القبعات الست في التفکير ومدى أهميتها في تحسين العمليات الفکرية للطالبة رأت الباحثة القيام بهذة الدراسة للتعرف على تأثير أسلوب القبعات الست لديبو على مستوى التحليل الوثائقي لدى طالبات قسم الأعلام التربوي.