تعد البيئات التشارکية من أبرز مواقع الويب استخدامًا لما لها من خصائص اجتماعية تفاعلية تتحقق بين جميع أعضائها، فهى تساعد على تبادل الآراء، والتعبير الحر، وتشجع الأفراد على رصد أفکارهم، وتسجيلها التعليقات بصفة مستمرة، ومناقشتها، وتحفز على التعلم بشکل مستقل خارج حدود المدرسة، ويمکن من خلال هذه البيئات بناء المعرفة، وممارسة الأنشطة بشکل ذاتى.
وتعتمد البيئات التشارکية على توظيف أساليب واستراتيجيات متنوعة للمشارکة منها التعلم معًا أو جنبًا إلى جنب، و جولة روبن، تکامل المهام المجزاة، والمناقشات الإلکترونية.
وتعد المناقشات من أکثر الأساليب التشارکية شيوعًا لأنها تسهم فى توصيل وعرض الأفکار، وإبداء الآراء فى ضوء حجج وبراهين، وقد أوصى الله تعالى رسوله الکريم، في قوله تعالى)ادع إلى سبيل ربک بالحکمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن أن ربک هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين"[1] بالحوار والنقاش للاقناع.
وتعتمد المناقشات الإلکترونية في جوهرها على الحوار، وفيها يعتمد المعلم على معارف الطلاب وخبراتهم السابقة، فيوجه نشاطهم بغية فهم القضية الجديدة مستخدما الأسئلة المتنوعة لتحقيق أهداف درسه، ويتم من خلالها أيضًا استدعاء المعارف السابقة ، وتثبيت المعارف جديدة ، والتأکد من فهم هذا وذاک، وفيها استشارة للنشاط العقلي الفعال عند الطلاب ، وتنمية انتباههم، وتأکيد تفکيرهم المستقل (Baran & Correia, 2009).
وتساعد المناقشات الإلکترونية فى الحصول على المعلومات بطرائق مبتکرة، و تتيح خبرات أکثر متعة وإيجابية يمکن من خلالها تطوير مهارات الطلاب، ورفع مستوى الثقة لديهم، فضلا عن توفير فرصة لبناء المعرفة، و تبادل الأفکار ووجهات النظر، وتعزيز المشارکة وتحسين التعاون، ودعم تعلم المفاهيم، حيث يسهم تعلم الأقران فى تحسين الفهم . [2]( Alrushiedat, 2012)
وتسعى المناقشات الإلکترونية لتحقيق الدور الايجابي لکل عضو من أعضاء المجموعة والتدريب على طرق التفکير السليمة، واکتساب روح التعاون والديمقراطية، وأساليب العمل الجماعي، والتفاعل بين المعلم والطلاب، والطلاب بعضهم البعض، وتشمل کل المناشط التي تؤدي إلى تبادل الآراء والأفکار وهى تتفق مع الفکر البنائى الذي يعتمد على تکوين المعرفة فى سياقات إجتماعية. (Johnson, 2010) .
وقد أسست النظرية البنائية الاجتماعية لفيجوتسکى Vygotsky على أن التعلم والنمو المعرفى يرتبطان بشکل متکامل مع التفاعلات الاجتماعية حيث أنها تؤدى دورًا فى التعلم، فيکتسب الطلاب معرفتهم من بعضهم البعض، وأن کل وظيفة فى النمو المعرفى تظهر مرتين، الأولى على المستوى الاجتماعى حيث التفاعل بين شخص وآخر أکثر خبرة ومعرفة، والثانية على المستوى الفردى حيث يحدث التعلم على مستوى العمليات الداخلية(محمد عطية،2013، ص27 ).
بينما أکد بياجيه على عملية النمو المعرفى، وأن التعلم عملية بنائية نشطة، ومستمرة تتضمن استمرارية اعادة بناء الهياکل المعرفية، وتشکيلها نتيجة التفاعل بين المعلم والطلاب حيث تتکون الأفکار، والمفاهيم الجديدة من خلال الاحتکاک بخبرات الآخرين لکن بتفسيرات شخصية لذا يجب أن تتاح فرص التفاعل، وتبادل المعانى لنمو المتعلم وتعديل ابنيته المعرفية(عايش محمود زيتون،2007، ص 39) ويظهر ذلک واضحًا من خلال المناقشات الإلکترونية حيث يکون للمتعلم الحق فى المناقشة وإبداء الرأى، والاستفادة من آراء الآخرين، وخبراتهم.
ويلاحظ من منظور النظرية البنائية الاجتماعية أن المناقشات الجماعية تخلق فرصًا للطلاب لبناء المعاني معًا، ودمج المعرفة الجديدة إلى تجاربهم السابقة، فالمناقشات هى بمثابة منصة لتفاعل الطلاب والمعلمين في بيئة اجتماعية تتخطى حدود الزمان والمکان، وتشجع على التفکير والمشارکة البناءة. (Baran & Correia, 2009).
وقد ظهرت فى الآونة الأخيرة نظرية سکينر (Skinner, 2009)للتنمية المجتمعية community development theory والتى تعتمد على المناقشات الإکترونية حيث تؤکد النظرية على أن المناقشات أصبحت ضرورة دينامکية لايجاد مجتمع من المتعلمين قد لا تتوفر لديهم فرصة المشارکة الحقيقية فى الفصل، وفشلوا في الانضمام إلى مجتمع التعلم فى البيئة الصفية التقليدية، لتأتى المناقشات الإلکترونية لتتيح لهم فرصة لا تقتصر على تواجدهم داخل المجموعة، وإنما تعتمد على التفاعل مع الآخرين من خلال تقديم مساهمات ومشارکات حقيقية في المناقشات.
فالمناقشات الإلکترونية ليست مجرد طرح سؤال واحد والحصول على إجابة من الطلاب، بل هى بيئة تتعدد وتتنوع فيها أشکال التفاعل والمشارکة فقد يطرح الطلاب أنفسهم أسئلة تسمح بتمعن الأفکار وتحليلها واستقبال الاستجابات من الزملاء، مع إمکانية طرح الفکرة بمصاحبة شکل أو صورة أو فيديو توضيحي لإثراء الأسئلة (Erping, 2006)
وتقسم المناقشات الإلکترونية من حيث نمط الاتصال إلى مناقشات متزامنة وغير متزامنة وتشير دراسة ثانکزينجم وسونج (Thankasingam& Soong, 2007) إلى أن المناقشات الإلکترونية غير التزامنية لها دور فعال فى زيادة الدافعية للتعلم لأنها تعطى الطلاب فرصة للتعبير عن أنفسهم وصياغة آرائهم، وتعطى قدرًا من المرونة فى وقت المشارکة.
بينما صنف محمد عطية(2003، ص272) المناقشات الإلکترونية إلى مناقشات مضبوطةControlled وهى التى يديرها المعلم، ويتحکم فيها، ويفضل استخدام هذا المستوى مع المجموعات الکبيرة نسبيًا، والمناقشات المتمرکزة حول المجموعة Group-Centeredحيث تتم المناقشة بحرية فى أى اتجاه دون تحکم المعلم, والمناقشات التشارکية Collaborative وهى مناقشة تتمرکز حول مشکلة معينة يتشارک الجميع فى حلها.
وتعد المناقشة الموجهه أو المضبوطة من قبل المعلم هى أحد أشکال المناقشات، والتى يمکن أن تتم من خلال المنتديات، والويکي، والمدونات، ويمکن للطلاب المساهمة في المناقشات الموضوعية بشکل أسبوعي على أساس أن الدخول المنتظم على محتوى المحاضرات والقراءات، حيث يعد المعلم مسبقًا الأسئلة التى ستطرح على الطلاب، کما يقوم بتوجيه المحادثات، وييسر عملية الاستفسار فلا تقتصر المناقشة على مجرد الإجابة على الأسئلة بشکل مباشر. (Gopinath, 2015)
کما تعتمد المناقشات المضبوطة على إدارة المعلم للنقاش تجاه کل جوانب الموضوع المطروح والطلاب مهمتهم الاستفسار، والمشارکة بالتعليقات، مع تقييم کل رأي مطروح في ضوء معايير معينة إضافة إلى استخلاص أهم النتائج(Balaji & Chakrabarti, 2010).
أما المناقشات المتمرکزة حول المجموعة فهي مناقشات محورها الطلاب، فهم أنفسهم من يقومون بتوجيه المناقشة حيث يتم اختيار أحدهم ليقوم بدور الميسر والقائد، والذى تتمثل مهمته فى تحفيز زملائه على المشارکة فى المناقشة، وربط الأفکار، ويهدف النقاش الى بقاء المجموعة معًا حول موضوع التعلم، والخروج فى النهاية بملخص للأفکار. (Byrd, 2008)
وقد أکدت دراسة باران وکوريا (Baran & Correia, 2009) على أن الطالب الميسر فى المناقشات المتمرکزة حول المجموعة يمکن أن ييسر، ويعزز الحوار الهادف، ويشجع على انخراط زملاؤه فى التعلم، وهو يقلل من العبء الملقى على المعلم أثناء التدريس على الانترنت، وأوصت الدراسة بضرورة السعى لاکتشاف طرق جديدة ترفع من مستوى مشارکة الطلاب فى المناقشات، وتعزز الوجود الاجتماعي.
وتتيح المناقشات الإلکترونية فرصة للطلاب للتعبير عن أسئلتهم، والمشارکة، وتعليم بعضهم بعضًا، ومتابعة زملاؤهم في لوحة المناقشة على شبکة الإنترنت، ويمکن قراءة وکتابة مقالات في أي وقت من الأوقات، ويمکن الوصول إلى منصة المناقشة من أي مکان فى حال الاتصال بالشبکة، لذلک فهى توفر قدرًا أکبر من المرونة فى التعلم، کما يمکن من خلال المناقشات تقاسم الوقت ووجهات النظر حول موضوع التعلم، تعزيز سلوک المتعلم، وتحسين نتائج التعلم إذا وظفها المعلم بالشکل السليم يمکن أن تحقق الاحتفاظ بالتعلم على المدى الطويل، والانخراط فى التعلم نتيجة لديناميکية التواصل والتفاعل، والمشارکة النشطة، ودعم الطلاب کل منهم الآخر ((Hillen, 2014.
وقد عرف الانخراط فى التعلم على أنه عملية نفسية تنطوي على الاهتمام، واستثمار الجهد، وتوجيهه نحو التعلم لمحاولة فهم وإتقان المعارف والمهارات التى يسعى العمل الأکاديمي لتحقيقها(Klem & Connell, 2004).
ويعد الانخراط فى مهمات التعلم عامل رئيس في النجاح الدراسي فعلى المدى القصير يُنبئ بمستوى تعلم وتحصيل أعلى لدى الطلاب، أما على المدى البعيد فأنه يُنبئ بنمط المواظبة على العمل الأکاديمي.(Cheryl & Elizabeth, 2006)
ويرتبط العمل الجماعى بکفاءة وفاعلية کل فرد داخل المجموعة، حيث ينظر إلى الکفاءة الذاتية على أنها من المتغيرات النفسية الهامة التي تُوجه سلوک الفرد، وتُسهم في تحقيق أهدافه الشخصية، فالأحکام والمعتقدات التي يمتلکها الفرد حول قدراته، وإمکاناته لها دور هام في التحکم في البيئة؛ مما يسهم في زيادة القدرة على الإنجاز، ونجاح الأداء (عطاف محمود ، 2012، ص 620)
وتؤثر الکفاءة الذاتية على سلوکيات الفرد، وسعية نحو تحقيق الإنجاز، کذلک تساعد فى تحديد الفرد لأهدافه فى إطار الموقف التعليمى، وهذا يدل على أن الکفاءة الذاتية من المحددات المهمة للنجاح) ربيع رشوان، ٢٠٠٦ ، ص ١١٢).
وتعد الکفاءة الذاتية إحد موجهات السلوک، فالفرد الذي يعتقد في قدرته يکون أکثر نشاطاً وتقديراً لذاته، ويمثل ذلک مرآة معرفية للفرد، تشعره بقدرته على التحکم في البيئة، کما تعکس معتقدات الفرد عن ذاته، وقدرته على أن يتحکم في معطيات البيئة، من خلال الأفعال، والوسائل التکيفية التي يقوم بها، والثقة بالنفس في مواجهة الضغوط (ليلى عبد الله، 2007، ص70).
مما سبق استنتجت الباحثة أنه إذا کانت الکفاءة الذاتية من موجهات السلوک فربما إذا ما ارتبطت بأنماط مختلفة للمناقشات الإلکترونية قد تحقق مستويات مرتفعة من الانجاز والتعلم، حيث يتوقف نجاح المجموعة على اعتقاد أفرادها على قدرة کل منهم على العمل والأداء والتحصيل والمشارکة، لذا سعت الباحثة من خلال البحث الحالى إلى دراسة التفاعل بين أنماط من المناقشات الإلکترونية مع الکفاءة الذاتية للمتعلم، وتأثيرهما على بعض جوانب التعلم.
[1] -سورة النحل:١٢٥
[2] يتبع البحث نظام توثيق الجمعية الامريکية لعلم النفس APA الاصدار السادس حيث يکتب اسم الباحث ثم سنة النشر ثم ارقام الصفحات.