تواجه المدرسة في الدول المتطورة والدول النامية- على حد سواء- تحديات غير مسبوقة تفرضها التغيرات المتسارعة في مجالات الاتصالات والعولمة والنظام العالمي الجديد الذي بدأت معالمه تتشکل في بداية العقد الأخير من القرن الماضي، وتتعرض المدرسة لضغوطات هائلة کي تطور برامجها حتى تستجيب لاحتياجات تلاميذها المستقبلية التي تتلخص في کيفية إعدادهم للتعامل مع هذه المتغيرات التي تکاد تطال جميع جوانب الحياة المعاصرة، وبحيث تستجيب لمتطلبات تنمية المجتمع بمختلف أشکالها، ولمسايرة التغير يتطلب ذلک دعوة للإصلاح المدرسي والتطوير التربوي التي تمثل استجابة ضرورية لضمان توفير متطلبات التنمية والتطوير التي تعد الموارد البشرية أهم عناصرها وأدواتها، ويمثل الکشف عن الموهوبين ورعايتهم أحد المحاور الرئيسة لمشروعات الإصلاح وخطط التطوير التربوي (فتحي عبد الرحمن جروان،2013، ص.3).
ولعل بحث الفعل من أهم المداخل البحثية التي تستجيب للعولمة والإصلاح والتطوير المدرسي (Somekh& Zeichner,2009,pp.5-9)، ويتضمن المشارکة المجتمعية والتعاون بين أصحاب المصلحة وأفراد المجتمع، والممارسين، وصانعي السياسة ومتخذي القرار، والباحثين من أجل توليد معارف جديدة أو فهم جديد يتعلق بالممارسة العملية لإحداث التغيير، ويتشارکوا جميعاً في بحث وتأمل مشکلة واقعية في المجتمع المدرسي (Economos& Hennessy,2011,pp.305-306).
وحتى تحصل أي مدرسة على الاعتماد وضمان الجودة ينبغي أن تهتم برعاية ذوي الاحتياجات الخاصة بصفة عامة، وبالموهوبين بصفة خاصة(معهد الشرق الأوسط للتعليم العالي بالجامعة الأمريکية، 2013، ص.3).
ونظراً لتميز التلاميذ لموهوبين في صفاتهم وخصائصهم وسماتهم الشخصية والسلوکية والانفعالية والتعليمية والقيادية والاجتماعية، فإن لهم مشکلات ناتجة عن تلک الصفات والخصائص مع مجتمع الرفاق في المدرسة، ومع أفراد الأسرة والعمل، ومن الضروري التعرف على هذه المشکلات بالنسبة للأخصائيين النفسيين والمعلمين والأسرة والإداريين، لکي يعرفوها ويعرفوا کيفية التعامل معها (محمد بن عليثة الأحمدي، 2015).
ومن هذه المشکلات الناتجة عن سمات شخصيتهم هي فرط الاستثارات النفسية التي تعيقهم عن الأداء وتجعلهم عرضة إلى اختلال التوازن النفسي وتعني الحساسية الشديدة والحدة الزائدة في المجالات الخمسة: النفسحرکية، والعقلية، والانفعالية، والحسية، والتخيلية، وارتبطت حدة الأطفال سلبياً بالعمر الزمني لهم، وإيجابياً بدرجات الذکاء (kitano,1990,p.5).
ونظراً لتعدد أبعاد فرط الاستثارة النفسية بما تشمله من بعد نفسحرکي، وحسي، وتخيلي، وانفعالي، وعقلي، وتعدد المشکلات الناتجة عن هذه الأبعاد، لذا فهناک ضرورة إلى استخدام فنيات واستراتيجيات علاجية متعددة مع فرط الاستثارات النفسية تتناسب معها، وحتى لا تکون الفنيات المستخدمة في البرنامج العلاجي منتقاة بشکل عشوائي، وحتى يؤدي العلاج إلى تحسن العلاقة العلاجية بين المريض والمعالج؛ فلابد من أن يتم انتقاء تلک الفنيات على أساس منظم (O'Connor,2003,p.132)، لذلک فإن أفضل نموذج من نماذج العلاج النفسي الانتقائي يمکنه التعامل مع هذه الأبعاد وعلاجها هو طريقة لازاروس Lazarus في العلاج متعدد المداخل؛ حيث إنه يتيح أکبر قدر من المرونة ويغطي کافة تلک الأبعاد، کما أنه يحقق احتياجات المسترشدين المتنوعة باستخدام فنيات متنوعة(David , 2010, p.120) .
وحيث أنه لا توجد دراسات استخدمت العلاج متعدد المداخل للازاروس في تعديل فرط الاستثارات النفسية لدى الموهوبين، فتسعى الدراسة الحالية إلى اختبار وتجريب هذا المدخل العلاجي، ويمکن توضيح ذلک من خلال مشکلة الدراسة.