في ظل التغيرات العالمية والتطورات السريعة المتلاحقة التي تمس کافة جوانب الحياة المعاصرة, أصبح لزاما على مؤسسات التعليم العالي أن ترکز على توفير مخرجات کمية وکيفية تتناسب وسوق العمل, وأن تسعى کل مؤسسة إلى تحقيق مکانة متميزة بين هذه المؤسسات من خلال إعداد خريجين مميزين ذوي کفاءة عالية, لذا حظيت الجودة والاعتماد باهتمام کبير من مؤسسات التعليم العالي في معظم دول العالم, إذ تشکل أهم التوجهات المعاصرة التي ينبغي على لهذه المؤسسات أن تواکبها وتوظفها, وذلک لتحقيق أعلى المستويات الممکنة في مخرجاتها لتتلاءم مع الاحتياجات المحلية والإقليمية والعالمية.
لقد اتخذت العديد من الدول العربية ومن بينها المملکة العربية السعودية العديد من السياسات النظامية والاجراءات العملية لدعم وتعزيز برامج التعليم العالي وتحقيق التميز على المستوى العالمي و لتأهيل مؤسساتها التعليمية وبرامجها الأکاديمية لتطبيق وتحقيق الجودة والاعتماد الأکاديمي.
لقد أصبح تحقيق جودة الخدمات والمخرجات التعليمية والوصول للاعتماد الأکاديمي الهدف الاستراتيجي لمعظم الجامعات السعودية, لمواجهة قضاياها الداخلية, وتحدياتها الخارجية المتمثلة في العولمة والتغييرات المتسارعة في المعرفة وتکنولوجيا المعلومات, والحراک الاجتماعي والتغييرات الثقافية والانفتاح العالمي غير المسبوق في مجال التعليم العالي.
إن تحقيق الجودة أصبح أکثر إلحاحًا بظهور التصنيفات العالمية للجامعات في العام (2006) کتصنيف جامعة (شنغهاي ), والذي أظهر خلوه من أي من الجامعات السعودية (أحمد, سکينة, 2008), الأمر الذي تنبه له المسؤولون عن التعليم العالي في المملکة العربية السعودية, لذا بدأت مضاعفة جهودها في تطبيق معايير ضمان الجودة والاعتماد الأکاديمي, وترسيخها في نظمها الإدارية والتنظيمية والأکاديمية, ونشر الوعي لتحقيق متطلبات الاعتماد الأکاديمي مستعينة في ذلک بجهود الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأکاديمي.
جاء إنشاء الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأکاديمي لتمثل اللبنة الرئيسية للرقي بمؤسسات التعليم العالي في المملکة العربية السعودية من أجل الوصول بتلک المؤسسات إلى مستويات عالية من الأداء والکفاءة في ظل ازدياد التنافسية العالمية, ومن أجل مخرجات تعليمية يمکنها أن تماثل مخرجات مؤسسات التعليم العالمية.
لقد أُنشئت الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأکاديمي کهيئة مستقلة تعني بشؤون اعتماد البرامج الأکاديمية وضمان تحسين جودة التعليم العالي, لذا جاءت رؤيتها على أن تصبح معروفة داخل المملکة وخارجها بجودة وفعالية إسهاماتها في التحسن المستمر للجودة, وتنص رسالتها على تشجيع ومساندة وتقويم جودة مؤسسات التعليم العالي والبرامج التي تقدمها هذه المؤسسات من أجل ضمان تحقيقها لأعلى المعايير العالمية في جودة حصيلة التعلم وفي جودة الإدارة والخدمات المساندة المتوافرة داخل المؤسسات التعليمية (الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأکاديمي , 2004).
وتعمل الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأکاديمي طبقًا لرؤيتها ورسالتها على وضع معايير لضمان الجودة والاعتماد الأکاديمي متوافقة مع المعايير العالمية مع مراعاة متطلبات البيئة المحلية, وتقديم العون لمؤسسات التعليم العالي من أجل مساعدتها على تقويم أدائها والتخطيط لتحسين هذا الأداء.وتأتي معايير ضمان الجودة والاعتماد الأکاديمي بما تمثله من أسس رئيسة لخلق بيئة أکاديمية عالية المستوى, وحاضرة لثقافة الإبداع والابتکار والتميز البحثي والأکاديمي لتکون هي الهدف الرئيس للمستوى المأمول أن تحققه الجامعات السعودية.
ويشير وزير التعليم العالي (خالد العنقري2007, 2) إن ما قامت به الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأکاديمي من وضع معايير للجودة والاعتماد الأکاديمي يتماثل مع المعايير العالمية, إنما يأتي من مشارکة الهيئة في تحسين جودة التعليم العالي بالمملکة ليرتقي بمعايير الثقة بمخرجاته ولتسهم في زيادة قدرة الجامعات في التنافس العالمي بکل موضوعية وشفافية بنشر ثقافة التميز والجودة في کل الجامعات باعتبارها تضم النخب العلمية والأکاديمية, ويُؤمل عليها الکثير في قيادة تطبيقات معايير الجودة والتميز في کل مجالات العمل .
ويشير (عبدالله عبدالکريم المسلم, 2007, 3) أنه قد روعي عند إعداد المعايير شموليتها لجميع أنشطة مؤسسات التعليم العالي, حيث تضمنت أحد عشر معيارًا رئيسًا يندرج تحتها ما يقرب من (373) ممارسة جيدة تساير أفضل الممارسات العالمية سواء فيما يتعلق بالمدخلات أو العمليات أو المخرجات, کما وضعت مؤشرات رئيسة للأداء تبين مدى تحقق متطلبات تلک المعايير ومستوى جودتها, وتعد وثيقة المعايير إطارًا مرجعيًا يتم على أساسه تطوير مؤسسات التعليم العالي أکاديميًا وإداريًا للرفع من مستوى فاعليتها والارتقاء بمستوى أدائها للوصول للکفاءة العالية, وتأتي معايير الجودة والاعتماد الأکاديمي بما تمثله من أسس رئيسة لخلق بيئة أکاديمية عالية المستوى وحاضرة لثقافة الإبداع والابتکار والتميز لتکون هي الهدف الرئيس للمستوى المأمول الذي يجب أن تحققه الجامعات بالمملکة.
وقد شملت المعايير التي وضعتها الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأکاديمي لضمان الجودة والاعتماد الأکاديمي أحد عشر مجالًا عاما لأنشطة هذه المؤسسات والبرامج وهي:-
- الرسالة والغايات والأهداف. السلطات والإدارة. إدارة ضمان الجودة وتحسينها . التعليم والتعلم. إدارة شؤون الطلاب والخدمات المساندة. مصادر التعلم. المرافق والتجهيزات. التخطيط وإدارة المالية. عمليات التوظيف. البحث العلمي.علاقة المؤسسة التعليمية بالمجتمع.
إن تحقيق معايير ضمان الجودة والاعتماد الأکاديمي في برامج التعليم الجامعي في المملکة العربية السعودية أضحى أمرًا جوهريًا لتحقيق فاعلية الأداء الأکاديمي, ولعل تقويم الجامعات والکليات وفقًا لمعايير ضمان الجودة والاعتماد الأکاديمي أصبح أحد الاهتمامات الأساسية للمسؤولين عن التعليم العالي, وخصوصًا عند ظهور متطلبات اعتماد برامج المؤسسة الأکاديمية وسياستها , وکذلک التحدي الراهن والمستقبلي الماثل أمام التعليم الجامعي السعودي, والذي يتطلب قدرات إدارية وأکاديمية محددة لعل من أبرزها تطوير قدرات أعضاء هيئة التدريس مهنيًا ومعلوماتيًا, ووعيهم بمتطلبات الجودة والاعتماد الأکاديمي لتحقيق الجودة في البرامج والأنشطة التدريسية , ولتحقيق مخرجات تستطيع أن تتفاعل مع التطور الحادث مهاريًا ومعلوماتيًا.
لقد أکدت العديد من الدراسات في مجال الجودة والاعتماد في التعليم العالي على دور أعضاء هيئة التدريس باعتبارهم عنصرًا مستهدفًا في نظام الجودة, کما أن على عاتقهم تقع مسؤولية تحقيق العديد من المعايير الخاصة بجودة التعليم, لأنهم يمثلون أهم المدخلات بحکم أدوارهم, وبالتالي يتوقف على مدى جودتهم مستوى جودة المخرجات, فهم يملکون مفتاح النجاح أو الفشل في تحقيق الجودة, وفقًا لثقافاتهم ودافعيتهم واستعداداتهم ووعيهم بما يقومون به ( فؤاد العاجز, 2006), (البنا, سعيد, عمارة, سامي فتحي, 2005), (أحمد فريد عبد الشافي, 2009).
إن معايير ضمان الجودة والاعتماد تبدأ بجودة أعضاء هيئة التدريس في کثير من النماذج التي اعتمدتها الجامعات السعودية, فتحقيق الاعتماد يشکل تحديًا يواجه مسؤولي التعليم الجامعي , ومدى تأثير ذلک في أعضاء هيئة التدريس بما يتناسب مع مدى وعيهم وإدراکهم بالمعايير, فهم عوامل مؤثرة في تطوير الأداء في الدوائر التي يعملون بها, وهذا بطبيعة الحال يساعدهم في الوصول إلى أبعد من مهاراتهم التقليدية التدريسية حيث يتوقع منهم المساهمة في تحقيق المعايير(2002 , Naidoo Kogi ).
إن وعي أعضاء هيئة التدريس بمتطلبات تحقيق معايير ضمان الجودة والاعتماد في أدائهم التدريسي, يعد من أهم الأمور التي يجب أن يوليها المسؤولون عن التعليم الجامعي بالمملکة العربية السعودية, لانهم الأساس والمحور البشري الذي يعتمد عليه التطوير والتحسين والجودة والاعتماد, لأنه لا يمکن الحصول على الجودة المطلوبة والاعتماد الأکاديمي بدونهم ولو اکتملت جميع المدخلات المادية والمعنوية.(فؤاد العاجز, 2006, 55).
من خلال ما تقدم يتبين الدور المحوري لأعضاء هيئة التدريس في تحقيق وظائف التعليم الجامعي لا سيما في رفع مستوى وجودة العملية التعليمية بکل جوانبها والارتقاء بها, فضلا عن استمرارهم في تنمية أنفسهم في کافة النواحي المرتبطة بتجويد مهنتهم, في ظل تحرک مؤسساتهم نحو تحقيق الجودة والاعتماد الأکاديمي, فهم يشکلون بمدخلاتهم وأدوارهم وأدائهم الأکاديمي والتدريسي الذي يقومون به عن وعي وإدراک داخل الجامعة وخارجها أهم عوامل تحقيق معايير ضمان الجودة والاعتماد الأکاديمي.