يمثل التعليم الدعامة الأساسية في تقدم الشعوب والأمم الذي تسعى الأمم لتطويره، وبالنظر إلى التعليم بشکل عام نجد أنه يعتمد في الکثير من مراحل التعليم على التعليم التقليدي، الذي يقع العبء الأکبر فيه على المعلم، ودور المتعلم سلبي إلى حد کبير، لذا تسعى الکثير من المؤسسات إلى تطوير التعليم بإيجاد طرق جديدة للتعلم يکون المتعلم فيه نشطاً وإيجابياً.
وفى هذا الإطار ظهر العديد من أساليب ونماذج التعلم الجديدة لمواجهة تلک التحديات مثل التعلم الإلکتروني E-learning والتعلم الافتراضى Virtual Learningوالتعلم التشارکىCollaborative Learning والتعلم المدمجBlended Learning ليساعد المتعلم علي التعلم في المکان الذي يريده وفي الوقت الذي يفضله، وفي التعلم من خلال محتوى علمي مختلف عما يقدم في الکتب المدرسية حيث يعتمد المحتوى الجديد على الوسائط المتعددة، ويقدم من خلال وسائط إلکترونية حديثة، أو داخل الفصل باستخدام تقنيات التعليم والتعلم (أحمد محمد سالم، 2004، 26؛ خالدة عبد الرحمن، 2008، 23).(*)
ويمثل التعلم الالکتروني الثورة الحديثة في أساليب وتقنيات التعليم، والذي يوظف أحدث ما تتوصل إليه التقنية من أجهزة وبرامج في عمليات التعليم، بدءاً من استخدام وسائل العرض الالکترونية لإلقاء الدروس في الفصول التقليدية واستخدام الوسائط المتعددة والتعليم الذاتي، وانتهاءاً ببناء المدارس الذکية والفصول الافتراضية التي تتيح للطلاب الحضور والتفاعل مع المحاضرات والندوات التي تقام في دول أخري من خلال تقنيات الانترنت، إلا أن هذا النوع من التعليم يفتقد التواصل المباشر بين المعلم والمتعلم مما يفقد القدرة على الحوار الجيد فيما بينهم ويقلل من دافعية المتعلمين ويشعرهم بالممل أثناء عملية التعلم (أمل محمد مختار، 2010، 2).
ولقد أشارت العديد من الدراسات والأبحاث إلى عوامل نجاح التعليم المدمج، حيث يعمل هذا النوع من التعليم على تحسين مخرجات التعلم، ومناسبته مع طبيعة المتعلمين، ويحقق الکثير من الأهداف التعليمية، ويعمل على رفع کفاية المعلم المهنية، وتجويد أساليب التدريس، وتوفير الوقت والجهد لدى المعلمين (إسماعيل الغريب، 2009، 183).
فمن خلال الدمج بين التعليم الصفي والتعليم الإلکتروني يتم الجمع بين مزايا کل منهما، حيث يقوم هذا التعليم على أساس مدخل التکامل بين التعليم التقليدي والتعليم الإلکتروني (رشا حسن، 2009، 182).
کما أن هناک ضرورة ملحة إلي تطوير البرامج التعليمية تساعد في تنمية المهارات الفنية والإدارية والشخصية لدى الطلاب والتي يحتاج إليها سوق العمل، وتلبى الاحتياجات المتولدة من ثورة تکنولوجيا الاتصالات (ريما الجرف، 2001، 55)، وتعد القدرة المکانية (الذکاء الفراغي) من أهم القدرات المعرفية الرياضية التي تحظى باهتمام القائمين والمتخصصين في المناهج وطرق التدريس التي يغلب عليها الطابع المتعلق بإجراء المسائل الحسابية المختلفة، ويتزايد دورها من خلال ما تقوم عليه إجراء تلک العمليات الحسابية للمرحل التعليمية المختلفة في حل المسألة، وتعلم العلاقات، والأشکال الهندسية (سهيلة سليمان، 2010، 3).
کما أکدت سهيلة سليمان أيضا (2010، 5) على أهمية القدرة المکانية للحياة العملية في مختلف الوظائف، والحرف المهنية وکذلک تدريس المواد الدراسية کافة، حيث أن القدرة على التفکير المکاني تنطوي على عدة قدرات أساسها القدرة على إدراک الأشکال، والأنماط، والأجسام، ثم القدرة على إنجاز تحويلات، وتغييرات في الإدراک، وأخيرا القدرة على استعادة أجزاء من الخبرة البصرية في غياب المثير الحسي المباشر.
على نفس المنوال، نجد أن تعلم مهارات التفکير هدف تربوى مهم، وبالتالى تبذل المؤسسات التعليمية مزيداً من الجهد من أجل توفير فرص التفکير للمتعلمين، فکثير من المعلمين يريدون لطلابهم التقدم والنجاح، فيهتمون بتطوير قدرة الطالب على التفکير لکونه هدفاً تربوياً يضعونه في مقدمة أولوياتهم، وعند صياغتهم لأهدافهم التعليمية نجدهم يعبرون عن أمالهم في تنمية استعدادات طلابهم کي يصبحواً قادرين على التعامل بفاعلية في مواجهة مشکلات الحياة المعقدة حاضراً ومستقبلاً (سناء رمضان، 2010، 2).
وأشارت نايفة قطامي (2004، 7) إلى أن هناک اتفاقاً بين کثير من التربويين على أن العنصر المشترک بين جميع صور التفکير العلمي المختلفة کالتفکير الناقد والتفکير المنتج والتفکير التأملي والتفکير الابتکارى هو استخدام الاستدلال العقلي في مواجهة المجهول.
وقد اتسع نطاق الاهتمام بتنمية مهارات التفکير الاستدلالي منذ السبعينات من القرن العشرين من خلال عقد العديد من المؤتمرات العلمية، ومن أبرز توصياتها دعوة العديد من الباحثين لتدريب الطلاب على المهارات الاستدلالية في الصفوف الدراسية المختلفة، وأن تکون هذه المهارات جزء من المقررات الدراسية ابتداءاً من المرحلة الابتدائية شريطة أن تکون القضايا التي يفکرون بها تتطلب استدلالات بسيطة ومحسوسة في تلک المراحل (خالد العتيمى، 2001، 6).
وأوصت العديد من الدراسات بتدريب الطلاب على مهارات التفکير الاستدلالي کدراسة الصافي يوسف شحاتة (2008، 17)، ودراسة شين (Schen, 2007)، ودراسة يحيى محمد عوض (2007 ،12) حيث أن تدريب الطلاب على التفکير الاستدلالي ييسر نمو القدرة لديهم على التعلم بأنفسهم، ومن ثم زيادة ثقتهم بقدراتهم وحيويتها وفاعليتها في المواقف التعليمية المختلفة.
ويعد التعليم الفني الصناعي هو المورد الأول لإعداد العامل الفني الماهر الذي تحتاجه الصناعة، ويعتمد نجاح هذا التعليم في تحقيق أهدافه علي التخطيط السليم فيما يتعلق بالمقررات الدراسية من مواد نظرية وعملية، وکذلک بالنسبة لإعداد الخريجين المطلوبين لسوق العمل.
ونظراً لهذه التغيرات التي انبثقت من دخول عصر المعلومات وثورة الاتصالات أصبح لزاماً علي التعليم الفني الصناعي بصفة عامة والمؤسسات الصناعية بصفة خاصة إعادة النظر في برامج التدريب، نظراً لارتباطهما الکبير بالثورة التکنولوجية، حيث يرجع فشل هذا النوع من التعليم إلي عدم وجود وسائل توفر للمعلم والطالب المعلومة المرئية والمسموعة والمقروءة ومسايرة کل ما يحدث من تغيرات تکنولوجية في المجال (أحمد عبد الوهاب، 2001، 28).
وقد قامت وزارة التربية والتعليم بتطوير مناهج التعليم الصناعي بجميع تخصصاته ومنها تخصص هندسة الأعمال الصحية، وذلک بهدف إعداد العامل الفني الماهر والمتمرس علي أداء الأعمال المطلوبة، وإکساب الطلاب القدرات والمهارات العملية بجانبيها المعرفي والأدائي، وذلک من حيث التعامل مع الأدوات والآلات والمعدات والأجهزة حسب الأصول الفنية للصناعة التي يراد تعليمها للطالب، ويعتبر تخصص الهندسة الصحية من التخصصات الهامة في مجال التعليم الفني الصناعي بوجه عام لما لهذا التخصص من أهمية کبيرة في إعداد شبکات مياه التغذية للمباني السکنية والمؤسسات التعليمية والصناعية المختلفة، کذلک لدورها البارز في تصميم وتنفيذ شبکات الصرف الصحي بالمدن والأحياء المختلفة.
ويعد مقرر التخطيط وإدارة الإنتاج من المقررات الأساسية التي يغلب علية الطابع الرياضي في حساب أطوال وأقطار المواسير المختلفة مثل مواسير(الزهر، والفخار، والبلاستک) وطرق تحديد کمياتها وطرق ترکيبها وتوصيلها بالطرق المختلفة، لذا أجمع العديد من الباحثين على أهميه القدرة المکانية وعلو شأنها إذ ذهب البعض لتأکيد مدى ارتباط القدرة المکانية والتفکير الاستدلالي بالنجاح في تعلم حساب المسائل التي يغلب عليها طابع الرياضيات .
کما أن إحداث التکامل بين البرامج القائمة على التعلم الإلکتروني المدمج والقدرة المکانية والتفکير الاستدلالي ومقرر تخطيط وإدارة الإنتاج سوف يقدم منظومة شيقة وجذابة لتعلم عناصر محتوى المقرر الدراسي حيث تترابط ببعضها البعض.
ويتضح مما سبق أهمية استخدام أساليب وطرق تدريس جديدة تقوم على البرامج الإلکترونية المدمجة لتنمية القدرة المکانية والتفکير الاستدلالي لدى طلاب التعليم الصناعي، وتعد الدراسة الحالي محاولة لتفعيل استخدام برامج الکمبيوتر في العملية التعليمية بالتعليم الصناعي، حيث يهدف إلى معرفة "فاعلية برنامج قائم على التعلم الالکتروني المدمج لتدريس مقرر تخطيط وإدارة الإنتاج في تنمية القدرة المکانية والتفکير الاستدلالي لدي طلاب المدارس الصناعية المعمارية".
(*) التوثيق وفقا لدليل جمعية علم النفس الأمريکية APA حيث يشير الرقم الأول إلي سنة النشر للمرجع، ويشير الرقم الثاني إلي رقم الصفحة أو الصفحات بذات المرجع.