هناک جملة تحديات سياسية، واقتصادية، واجتماعية، وثقافية، وتربوية يشهدها العالم، وتلک التحديات کانت المنطلق للدعوة إلى إصلاح التعليم بجميع مدخلاته وعملياته ومخرجاته، في ظل عجز النظام الحالي عن مواجهة التحديات التي أفرزها تحول العالم من مجتمع صناعي إلى مجتمع معلوماتي، لهذا تتسابق کثير من الدول في إصلاح نظمها التعليمية، بهدف إعداد مواطنيها لعالم جديد، يواجه تحديات وتحولات تتطلب تنمية مهاراته وقدراته، وبناء شخصيته؛ ليکون قادراً على التفاعل مع متغيرات العصر.
فقد أشار "رونالد ريغان" الرئيس الأربعون للولايات المتحدة في خطابه "أن المعلومات هي أکسجين العصر الحديث، فهو يتسرب من خلال جدران تعلوها أسلاک شائکة. إنها نسمات تنساب عبر الألواح المکهربة" هذا الخطاب کان يتحدث عن قوة المعلومات في عالم اليوم المتغير أکثر من أي وقت مضى، وهذا يتطلب تعزيز تعلم الطلاب (Simon, 2011, 114).
ومن المألوف في ظل التطور التکنولوجي مع دخول الألفية الثالثة استخدام تقنيات التعليم بشکل أساس في العملية التربوية، ولم يعد استخدام التعلم الإلکتروني e-learning في عمليتي التعليم والتعلم ترفا؛ بل أصبح من الضروريات، وبات إتقان هذه التقنيات وتوظيفها في التعليم من الأمور الملحة؛ لذا لزم على عضو هيئة التدريس استغلال کل ما تقدمه التکنولوجيا لمساعدة الطالب الجامعي على تنمية مهاراته.
وقد جعلت تلک التقنية العديد من التربويين وصناع القرار التربوي في العالم أجمع تقريبا ينظر إلى إمکاناتها باعتبارها فرصة سانحة ينبغي استثمارها لإحداث تحول نوعي في المنظومة التربوية بجميع مدخلاتها وعملياتها ومخرجاتها (نصر وشاهين، 2010، 200) ؛ لذا سعى التعليم العالي إلى تطوير بيئات التعلم التي تعتمد على دمج التعلم الإلکتروني بهدف تطوير مخرجاته. وقد رکزت الابتکارات الحديثة في أواخر القرن العشرين على تطوير أدوات تقنية متنوعة لمساعدة العملية التعليمية، ومن أهم الابتکارات المستخدمة في دمج التعلم الإلکتروني إدارة نظم التعلم الإلکتروني Management System Learning، الذي يضم مجموعة من الأدوات الإلکترونية التي تسهم في دعم المقررات الدراسية، بالإضافة إلى المصادر الإلکترونية الأخرى، کما يقدم أدوات متنوعة تدعم العملية التعليمية.
وقد بذلت جهود في المملکة العربية السعودية منذ منتصف القرن الماضي لتوفير البنية الأساسية لدمج التعلم الإلکتروني، حيث يعتقد المسئولون عن التعليم بالمملکة أن استخدام التعلم الإلکتروني سيؤدي إلى مساندة تطوير التعلم الذاتي، وتحقيق استفادة أکبر من الموارد، وأنظمة تقنية المعلومات، لذا کان السعي لتوفير المعامل الحديثة، وتدريب أعضاء هيئة التدريس لإدارة العملية التعليمية (العقلا، 2010، 66).
ومع انتشار استخدام التعلم الإلکتروني من خلال نظم إدارة التعلم (Blackboard) في جميع جامعات المملکة تقريباً، وحرص إدارات الجامعات على تدريب أعضاء هيئة التدريس على هذه التقنية في التعليم، يمکن توظيف جميع إمکانات هذا النظام في تنمية مهارات الطالب الجامعي بشکل عام، ومن أهم المهارات التي يجب تنميتها لدى الطالب الجامعي، البحث العلمي، وخاصة التعاوني منه، لما له من أهمية في إنتاج المعرفة التي هي من أهم وظائف الجامعة وأهدافها على الإطلاق.
وقد أشار "هولمس" و"جاردنر" Holmes, Gardner(2006) أن فکرة التعلم الإلکتروني تکمن في الجمع بين مجموعة متنوعة من الابتکارات الحديثة المتقدمة التي تتيح لأعضاء هيئة التدريس والطلاب فرصاً جديدة للحصول على معلومات متنوعة، ومن مصادر مختلفة، وإتاحة الفرصة لمعالجتها مع معارفهم السابقة وخبراتهم، لتعزيز التعلم والأداء، لإنتاج معارف جديدة تسهم في حل مشکلة تعليمية حقيقية، أو بناء نماذج جديدة.
وقد ذکر "هورد" Howard (2012) أن هذه الابتکارات التي يقدمها التعلم الإلکتروني تمنح عضو هيئة التدريس قوة مؤثرة في سلوک الطلاب نحو تبنّي طرق مختلفة للحصول على معلومات متميزة في التخصص لإثراء التعلم، والإسهام في بناء معارف جديدة، عن طريق تقديم الدعم Scaffolding الذي يقدمه عضو هيئة التدريس، والتفاعل Interaction الذي يعتمد على الطلاب أثناء دمج التعلم الإلکتروني في البيئة التعليمية بواسطة إدارة نظم التعلم الإلکتروني.
وقد أشارت (عبد الغفور، 2011، 46) أنه يمکن خلق بيئات وأوضاع للمتعلمين باستخدام التکنولوجيا، تمکنهم من الحصول على المعرفة والتعلم، کما لو کانوا داخل الحرم الجامعي، وبالإمکان أيضا تحقيق نتائج أفضل للتعلم، وإجراء تقييم أکثر فعالية لهذه النتائج، کما أنها (التکنولوجيا) تعتبر الأساس الذي ينطلق منه التصميم التعليمي، بل تعد الوسيلة الأکثر فعالية من حيث التکلفة لتحقيق بيئات تعلم مناسبة للمتعلمين، حيث يسمح التعلم الالکتروني للمتعلمين عن بعد، بالتفاعل مع بعضهم البعض، مع تمثيلات أو تصورات للموضوع في شکل، قد لا يستطيع المتعلمون تحقيقه دون التکنولوجيا، فأي نموذج من نماذج التعلم الالکتروني يحتاج إلى مبادئ تربوية تضاف إليه ويستند عليها وتتعلق بتشغيله، فالإطار النظري لتصميم التعلم الالکتروني، والتأکيد على التفاعلية والتبادلية بين النماذج التربوية والاستراتيجيات التعليمية، وتقنيات التعلم، أمر في غاية الأهمية، کما أن الربط بين النظرية والتطبيق في تصميم وتطوير أي نظام تعليمي أمر مهم أيضا. لذلک فان نجاح نظام التعلم الإلکتروني وفاعليته في أية مؤسسة تعليمية، لا يقتصر على الإعداد المادي والمکاني للبيئة التعليمية، أو وجود أو عدم وجود نظام إدارة التعلم((LMS، بل يتعدى ذلک ليشمل أمورا أخرى کثيرة تتعلق بالتصميم والإعداد العلمي والفني لهذه البيئة، مع مراعاة الأسس التربوية والنفسية للفئة المستهدفة، کما ينبغي أن تصمم هذه البيئة فنيا في ضوء مبادئ علم الاتصال، ونظريات علم النفس (التعليم والتعلم)، وذلک لضمان توافق هذه البيئة التعليمية مع خصائص المتعلمين، بحيث تکون ملبية لاحتياجاتهم وطموحاتهم النفسية.
لذا فمن خلال ما توصلت إليه عديد من الأدبيات والدراسات السابقة، مثل دراسة کل من: "بودين" Bowdoin (2005)، "زهانج"، وآخرون Zhang, et.al. (2005)، "بريدفورد"، وآخرون Bradford, et.al. (2007)، "فازيو"، و"روزکوز" Fazio, Roskos (2008)، "تيکنرسلان" Tekinarslan (2009)، الجراح (2011)، عبد العزيز (2014)، السعدي (2014)، حول التعلم الإلکتروني والتعليم عن بعد، وکيفية توظيفه في تنمية مهارات الطلاب المختلفة، ومن خلال الوقوف على إمکانات نظم إدارة التعلم (Blackboard) قامت الباحثة بتوظيف تلک الإمکانات تربويا لتنمية مهارات البحث العلمي لدى طالبات الدبلوم التربوي بجامعة بيشة، حيث سعت إلى تعزيز تعلم الطالبات، وتنمية مهارات البحث العلمي لديهن من خلال استغلال إمکانات نظام إدارة التعلم (Blackboard) المتمثلة في زيادة إمکانية الوصول، ومراعاة الفروق الفردية بهدف تعزيز تحقيق أهداف التعلم.