تعد ظاهرة الغياب بالتعليم قبل الجامعي إحدى القضايا الخطيرة التي قد تؤثر على انتظام الدراسة، ومن ثم تؤثر على تحقيق الأهداف التعليمية، فتکون في بعض الأحيان- عند تفشيها- السبب في اکتمال مثلث التخلف، الذي تتکون أضلاعه من الجهل، والفقر، والمرض، فعندما ترتفع نسبة الغياب، ويتسرب الطلاب من المدرسة، خاصةً في سنوات الدراسة الأولى، يرتد الطلاب إلى الأمية، مما ينعکس سلباً على المجتمع من خلال جهل أفراده، وأميتهم.
وتحاول المجتمعات النامية والمتقدمة -على السواء- اجتذاب الطلاب للبقاء في المدرسة، ومن ثم التقليل بقدر الإمکان من نسب غياب الطلاب، من خلال تذليل العقبات کافة التي قد تحول بين الطالب وبين بقائه بالمدرسة.
وتنبع أهمية انتظام الطلاب بالحضور إلى المدرسة من خلال أمور عدة، لعل أهمها ما يلي:([i])
تحسين المستوى الأکاديمي للطلاب، ومستوى تحصيلهم الدراسي، وخاصةً في المراحل الدراسية الأولى، حيث يساعد انتظام الطلاب في المدرسة، على شعورهم بالالفة مع المناخ الدراسي، وخاصةً بالنسبة للطلاب الذين ينتمون إلى عائلات ذات مستوى اقتصادي واجتماعي وثقافي منخفض، حيث تعد المدرسة السبيل الوحيد لرفع هذا المستوى حين تفشل الأسرة في متابعة الطالب أکاديمياً.
مساعدة الطلاب على إکمال المرحلة الدراسية التي ينتمون إليها حتى نهايتها، دون التسرب منها، وبالتالي تحقيق أهداف المرحلة.
تضييق الفجوة بين إنجاز الطلاب بالمراحل التعليمية المختلفة (الابتدائية، والوسطى، والثانوية).
ويتضح مما سبق، أن لانتظام الطلاب بالمدرسة أهمية عظمى، إذ أن لها جدوى تخص الفرد، وأخرى تخص المجتمع ککل، فالانتظام في الدراسة يساعد الفرد على تحقيق أقصى درجة ممکنة من الحراک الاجتماعي، کما أنه يساعد المجتمعات على النمو والتطور من خلال جهود أبنائها من المتعلمين.
وثمة ارتباط بين ظاهرة الغياب المدرسي وبين علاقة الطالب بالمدرسة وشعوره بالانتماء إليها. فکلما اضطربت علاقة الطالب بالمدرسة، کان ذلک أحد الأسباب المؤدية إلى ظاهرة الغياب المدرسي. کما تؤکد الدراسات والأبحاث ذات العلاقة أنه کلما زادت علاقة الطالب بمدرسته، أدى ذلک إلى زيادة أدائه الأکاديمي، وتقليل نسب غيابه عن المدرسة.([ii])
وتولي السلطات التربوية بمختلف دول العالم أهمية خاصة لانتظام الطلاب في الدراسة، والتقليل من ظاهرة انقطاع الطلاب عن الدراسة لبعض الوقت، الأمر الذي يؤثر على قدرتهم على الاستيعاب، والاستمرار في الدراسة، ومواصلة التعلم، إذ يفتقد الطالب المنقطع عن الدراسة إلى خبرات التعلم المختلفة التي يحصل عليها يومياً من المدرسة من جراء غياب تفعالاته مع الزملاء والمواقف التعليمية المختلفة التي يتعرض لها، مما ينعکس سلباً على تحصيله الدراسي، ومما قد يؤدي أيضاً إلى تسربه من الدراسة تماماً، ومن ثم تکون ظاهرة الغياب من المدرسة الخطوة الأولى في طريق تفشي ظاهرة التسرب بمؤسسات التعليم قبل الجامعي.
ولقد حددت الخطة الاستراتيجية للتعليم قبل الجامعي في مصر 2014-2030 مجموعة من الاستراتيجيات الحاکمة والموجهة للخطة، والتي يمکن من خلالها معالجة العديد من مشکلات النظام التعليمي المصري وعلى رأسها مشکلة الغياب المدرسي. ومن بين تلک الاستراتيجيات ما يلي:([iii])
إعادة الاعتبار للأنشطة الرياضية والثقافية والاجتماعية والفنية في مختلف مراحل التعليم، واعتبار وجود الملاعب والمسارح والمکتبات والقاعات المجهزة لتنمية المهارات في مختلف المجالات مسألة تتساوي في أهميتها مع بناء الفصول والمعامل البحثية .
توفير بيئة مدرسية جاذبة ومنضبطة وآمنة وخالية من العنف والسلوکيات غير المرغوب فيها، وتعمل کل الوقت على احتواء الطلاب وإشباع احتياجاتهم التربوية والتعليمية وتوفير الخدمات والرعاية المتکاملة للطلاب.
تطوير بيئة التعلم وتزويدها بالتقنيات المطلوبة لتحسين التعليم ببيئة تعليمية ثرية التقنية بدءًا من المرحلة الابتدائية من خلال تحسين المکون التکنولوجي فيها.
دعم وتعزيز قدرة نظام التعليم على مواصلة التحسن، من خلال الاستخدام الأفضل واسع النطاق للبيانات، والأبحاث، والتقويم، والشفافية، والتحديث، والتکنولوجيا.
التنمية المهنية الشاملة والمستدامة المخططة للمعلمين، وبما يحقق التجديد المعرفي والمهني للمعلمين کل خمس سنوات وصولاً إلى المعلم المتجدد والمرشد والميسر للتعلم. والترکيز على المعالجات الشاملة لقضايا المعلمين وإيجاد الحلول المتوازنة لحاجاتهم، وبما يحقق تحسين الأداء التعليمي.
إتاحة الفرص المتکاملة لاستيعاب وتعليم جميع الأطفال من عمر(5- 18)، وتحسين قدرة المدرسة على الاحتفاظ بهم والحد من تسربهم.
التوصل إلى معالجات غير تقليدية لمواجهة القصور الشديد في کفاية المباني والتجهيزات المدرسية والتصدي للحد من الکثافات العالية للفصول )التمويل، الأراضي..(
کما استندت الخطة الاستراتيجية أيضاً إلى مجموعة من الرکائز الأساسية، والتي يمکن من خلالها العمل على خفض معدلات الغياب والرسوب والانقطاع عن التعليم، ومن أهمها ما يلي:([iv])
تحسينالمبانيالمدرسية: وذلک من خلال التأکد من أن الأبنية المدرسية والأماکن المتاحة والتجهيزات والموارد التي تؤدي إلى تدريس أصيل ترتکز على المعايير القومية.
المناخالمدرسي: من حيث تحسين جودة الحياة المدرسية لجميع المستويات التعليمية.
تطويرالمناهج: بما يسمح بزيادة قدرة التلاميذ على استخدام التفکير الناقد، ومهارات البحث، والمهارات التحليلية والحياتية، ودمج تکنولوجيا المعلومات والاتصال.
مسايرة المناهج الدولية في العلوم والرياضيات واللغات الأجنبية.
التوسع في مشروع مناهج القرائية ودعم تعليم اللغة العربية.
تحسين أداء وتحفيز المعلمين والموجهين والإداريين في تطبيق المناهج الجديدة المطورة التي تتضمن التعلم النشط، والتقويم الشامل وتکنولوجيا المعلومات والاتصال.
ولعل العمل وفق الرکائز السابقة يسهم بشکل مباشر في جعل بيئة التعلم بيئة إيجابية جاذبة للطالب، مما يزيد من إلتزام الطالب بالحضور إلى المدرسة، ويزيد من انتمائه إليها، ويقلل من نسب الرسوب والتسرب، مما قد ينعکس إيجابياً على تحقيق الأهداف التعليمية.
کما حاولت وزارة التربية والتعليم في مصر التصدي لمشکلة الغياب المدرسي من خلال إصدار بعض القرارات الوزارية التي يمکن من خلالها الحد من المشکلة، ومن هذه القرارات:
1- القرار الوزاري رقم 190 بتاريخ 10/ 9/ 2001 بشأن نظام إعادة قيد الطلاب بالمدراس الثانوية العامة بسبب الغياب.([v])
2- القرار الوزاري رقم 227 بتاريخ 3/ 11/ 2001 بشأن حالات وقف قيد الطالب في السنة الدراسية المقيد فيها.([vi])
3- القرار الوزاري رقم 237 بتاريخ 16/ 9/ 2004 بشأن تنظيم قبول أعذار غياب طلاب التعليم الثانوي العام. ([vii])
واستقراء القرارات سالف الإشارة إليها يفضي إلى أن وزارة التربية والتعليم في مصر تولي اهتماماً کبيراً بخفض معدلات الغياب المدرسي، حيث أوضحت للطلاب وأولياء الأمور نسب الحضور المدرسي التي ينبعي على الطالب الالتزام بها، وکذلک الإجراءات التي يجب اتباعها في حالة غياب الطالب نتيجة عذز مقبول مثل المرض، کما ألزمت مديري المدارس بمتابعة ذلک الأمر بشکل مستمر خلال العام الدراسي.
وفي إطار حرص الوزارة على مشارکة الطالب في تحمل مسئولية انتظامه الدراسي، فقد أکدت على أن "الحضور إلى المدرسة والفصول الدراسية بانتظام في التوقيتات المحددة" هي المسئولية الأولى من مسئوليات الطالب طبقاً للائحة الانضباط المدرسي الصادرة بالقرار الوزاري رقم 179 لسنة 2015. ([viii])
ولقد حددت اللائحة أيضاً أنواع المخالفات المرتبطة بالغياب المدرسي، وذلک بدءاً من التأخر الصباحي وصولاً إلى الغياب الکامل بدون عذر مقبول، مع توضيح طريقة معالجة المخالفات طبقاً لحجم المخالفة ودرجة تکرارها. وتتدرج طبيعة المعالجة ما بين تنبيه الطالب من قبل المعلم، وأخذ تعهد کتابي على الطالب، واستدعاء ولي أمر الطالب، وتحويل الطالب إلى الإخصائي الاجتماعي، وقد يصل الأمر إلى اتخاذ قرار بفصل الطالب بعد دراسة حالته من قبل مدير المدرسة ولجنة الحماية المدرسية وذلک طبقاً للقانون.([ix])
هوامش البحث
[i] Robert Balfanz, The Importance of being at School, (Baltimore: JohnsHopkinsUniversityCenter for Social Organization of Schools, 2012) P.4.
[ii] Ayako Ito, "Enhancing School Connectedness in Japan: The Role of Homeroom Teachers in Establishing a Positive Classroom Climate", Asian Journal of Counselling, Vol. 18 Nos. 1 & 2, 41–62, The Hong Kong Professional Counselling Association, 2011, PP. 42-43.
[iii] وزارة التربية والتعليم، الخطة الاستراتيجية للتعليم قبل الجامعي 2014/ 2030، القاهرة، وزارة التربية والتعليم، 2014، ص ص 75-77.
[iv] المرجع السابق، ص 85.
[v] جمهورية مصر العربية، وزارة التربية والتعليم، القرار الوزاري رقم 190 بتاريخ 10/ 9/ 2001، بشأن نظام إعادة قيد الطلاب بالمدراس الثانوية العامة بسبب الغياب، القاهرة، وزارة التربية والتعليم، 2001، المادة 1: المادة 6.
[vi] جمهورية مصر العربية، وزارة التربية والتعليم، القرار الوزاري رقم 227 بتاريخ 3/ 11/ 2001، بشأن حالات وقف قيد الطالب في السنة الدراسية المقيد فيها، القاهرة، وزارة التربية والتعليم، 2001، المادة 1: المادة 4.
[vii] جمهورية مصر العربية، وزارة التربية والتعليم، القرار الوزاري رقم 237 بتاريخ 16/ 9/ 2004، بشأن تنظيم قبول أعذار غياب طلاب التعليم الثانوي العام، القاهرة، وزارة التربية والتعليم، 2004.
[viii] جمهورية مصر العربية، وزارة التربية والتعليم، القرار الوزاري رقم 179 بتاريخ 17/ 5/ 2015، بشأن لائحة الانضباط المدرسي المحددة لحقوق ومسئوليات وواجبات المعلمين وإدارة المدرسة نحو الطلاب، القاهرة، 2015، ص 23.
[ix] المرجع السابق، ص ص 30-31.