تشهد الساحة التربوية اهتماما واسعا بتطوير أرکان النظم والبرامج والمناهج التعليمية من حيث الأهداف، والمحتوى، وأساليب التعليم والتعلم، ونظم التقويم المختلفة؛ لتحقيق منظومة تعليمية توفر للمتعلمين من العاديين وذوي الاحتياجات الخاصة فرص التکافؤ التعليمي.
ومن نتائج تطور البرامج التربوية وتقدم البحث التربوي في جميع المجالات خلال العقود الأخيرة زيادة الاهتمام بالتلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة؛ حيث شهدت الدول الأجنبية والعربية – في الفترة الأخيرة- طفرة واضحة في الاهتمام بهم؛ من حيث الکشف المبکر عنهم، وتسکينهم في الأماکن المناسبة، وتقديم الدعم التربوي اللازم لهم. (شريف عادل، 2010، 9)
والأطفال المصابون بالتوحد (Autism) من بين الفئات الخاصة التي ازداد الاهتمام بها في الفترة الأخيرة؛ حيث تشغل هذه الإعاقة النمائية ذهن العاملين في المجال التربوي، کما تمثل عبئا کبيرا على الأسرة التي لديها طفل مصاب بالتوحد؛ لما لها من أبعاد واحتياجات ومتطلبات تربوية من نوع خاص تتطلب تکاتف الجهود وتکاملها بين الأسرة ومؤسسات الخدمات التربوية من مدارس دمج، أو مراکز تعليمية مخصصة لتقديم الاستشارات والدعم التربوي لهذه الفئة من الأطفال.
"ويعد التوحد (Autism) من أکثر الإعاقات النمائية (Developmental Disabilities) غموضا؛ لعدم الوصول إلى أسبابه الحقيقية على وجه التحديد من ناحية، وکذلک شدة غرابة أنماط سلوکه غير التکيفي من ناحية أخرى، فهو حالة تتميز بمجموعة أعراض يغلب عليها انشغال الطفل بذاته، وانسحابه الشديد، إضافة إلى عجز مهاراته الاجتماعية، وقصور تواصله اللغوي اللفظي وغير اللفظي، الذي يحول بينه وبين التفاعل الاجتماعي البنّاء مع المحيطين به".(خولة يحيى، 2002، 45). کما أن هذه الإعاقة تنعکس آثارها على تواصل الطفل العام، واکتسابه للّغة، وأسلوب التعبير عن الاحتياجات والمشاعر والأحاسيس.(Gillberg, 1991, 1193)، حيث تشمل اضطرابات التواصل لدى الطفل التوحدي کلا من التواصل اللفظي وغير اللفظي، ووجود تأخر أو نقص في اللغة المنطوقة، واضطراب ملحوظ في القدرة على بدء محادثة مع الآخرين، وتأخر في القدرة على بناء الجُمل مکتملة المعنى.(Siegel, 2003, 27)
ويشير الدليل التشخيصي الإحصائي الرابع للاضطرابات العقلية (Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders. DSM-IV,1994) الصادر عن رابطة الطب النفسى الأمريکية (American Psychiatric Association) إلى أن اضطراب التوحّد يتضمن ثلاث خصائص أساسية هى: القصور في التواصل الاجتماعي، والقصور في اللغة والمحادثة، ووجود أنماط متکررة وثابتة من السلوک. (DSM-IVTR, 2000, 70)
وبالتالي يمکن القول إن أهم مظاهر القصور لدى الأطفال التوحديين هو القصور اللغوي اللفظي الذي تتمثل بعض مظاهره في: ( صعوبة إجراء المحادثات اللغوية – صعوبة بناء جمل لغوية مکتملة - عکس الضمائر وصعوبة توظيفها – صعوبة في الاستماع – المصاداة والتکرار للألفاظ – صعوبة في فهم اللغة المجازية مهما کانت بسيطة - قصور في المهارات الحياتية اللغوية بشکل عام).
وتشير سهى نصر إلى أن الأطفال ذوي إعاقة التوحد بحاجة ملحة إلى التدخل من خلال البرامج التربوية؛ لإمدادهم بحصيلة لغوية حياتية، ولتدريبهم على استخدام اللغة اللفظية بشکل سليم، فالمهارات الحياتية اليومية باستخدام اللغة اللفظية التي يوظفها الطفل التوحدي ذات أهمية کبرى في تواصله مع العالم المحيط به، لذا وجب العمل على تنمية هذه المهارات اللغوية اللفظية من خلال الأساليب التربوية التي يمکن لها أن تسهم في زيادة المحصول اللغوي لدى هؤلاء الأطفال.( سهى نصر، 2002، 115)
وتؤکد ذلک دراسات کل من: (ضرار القضاة، 2010)، (عصام زيدان، 2004)، (Wing, 2001)، (Howlin, 2000) التي أشارت إلى أهمية تعليم المهارات الحياتية اللغوية للطفل المصاب بالتوحد؛ لأنها تعد النافذة الحقيقية التي من خلالها يتواصل الطفل التوحدي مع العالم المحيط به، فاللغة التعبيرية له، ومهارات الاستقبال اللغوي، والتعبير عن الاحتياجات، وإدراک الجمل، وتکوينها، والاستجابة للنداء، والطلب، والرفض، وطرح الأسئلة البسيطة، والإجابة عنها، وغيرها من مهارات الاتصال اللغوي اللفظي تحتاج إلى تدريب تربوي مُمنهج.
ومن الأساليب التربوية التي حققت نجاحا في تطوير المهارات المختلفة للطلاب التوحديين استخدام الأنشطة التعليمية (ماجد الغامدي، 2011، 27)، فالنشاط التعليمي لا يمکن أن ينفصل عن منهج المدرسة الحديثة، وهو أحد مکونات المنهج المهمة، وأحد أساليب التعلم التي تجعل ما يتعلمه التلاميذ أبقى أثرا ( أحمد رشوان، 2001، 396). ويرى شريف عادل (2010، 90) أن استخدام الأنشطة التعليمية مع الأطفال التوحديين يعد أسلوبا مهما في إحداث التغير الإيجابي الشامل لأوجه القصور الإنمائية والتي منها الجوانب الاتصالية، وأثبتت نتائج دراسة دراسة بلقيس إسماعيل (2011) ودراسة Krantz & Clannahan (1998) أن استخدام جداول الأنشطة مع الأطفال ذوي اضطراب التوحد له أهمية کبيرة في تنمية المهارات الحياتية العامة لديهم.
والبحث الحالي يسعى إلى تصميم برنامج تربوي يقدم مجموعة من الأنشطة التعليمية اللغوية المقترحة المناسبة للأطفال التوحديين، في صورة جلسات تناسب الاحتياجات اللغوية اللفظية الحياتية اللازمة للأطفال المصابين بالتوحد.