الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء، وسيد المرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وسلَّم تسليماً کثيراً إلى يوم الدِّين؛ أمَّا بعدُ :
فإنَّ نعم الله على عباده لا تُعدُّ ولا تحصى، (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18)] إبراهيم34، النحل 18 [، وإنَّ من أجلِّ تلک النِّعم، وأعظمِ تلک المِنَنِ، التي مَنَّ بها سبحانه على أمَّةِ محمدٍ r أنْ أنزلَ عليهم أفضلَ کتبه، القرآن العظيم، والذکر الحکيم، والسراج المبين، وحبل الله المتين، والصراط المستقيم، الذي لا تزيغ به الأهواءُ، ولا تلتبسُ به الألسُنُ، ولا يَخْلَقُ عن کثرة التَّرديد، ولا تنقضي عجائبه، ولا يشبع منه العلماء، مَن قال بهِ صَدَقَ، ومَن عَمِل به أُجِرَ، ومَن حکم به عَدَلَ، ومَن دعا إليه هُدِي إلى صراطٍ مستقيمٍ، ومَن ترکه مِن جبَّارٍ قَصَمَهُ الله، ومَن ابتغى الهدى في غيره أضلَّه الله، قال تعالى:
(فَإِمَّا يَأْتِيَنَّکُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى(123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِکْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْکًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى(124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ کُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ کَذَلِکَ أَتَتْکَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَکَذَلِکَ الْيَوْمَ تُنْسَى(126)] طه: ١٢٣- ١٢٦ [، أنزله الله تعالى: (تِبْيَانًا لِکُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89)] النحل :89[ ، وجعله الله نوراً مُبيناً، وذِکراً حکيماً، وهُدىً وموعظةً للمتقين، وبرهاناً وشفاءً لما في الصدور، ومبارکاً للعالمين، أنزله ـ سبحانه وتعالى ـ لإخراج الناس من الظُّلمات إلى النُّور.
لذا کانت الحاجة ماسة إلى فهم کتاب الله وتفسيره وفهم معانيه للعمل بما جاء فيه والدعوة إليه، وقد سلک العلماء في تفسير کتاب الله عدة أساليب لتفسيره وهي :
التفسير التحليلي ، التفسير الإجمالي ، التفسير المُقَارن ، التفسير الموضوعي([1]).
وکل أسلوب من هذه الأساليب له تعريفه وضوابطه وميزاته وأمثلته وهي مبحوثة في کتب أصول التفسير([2]) .
وقد رأيت أن أکتب بحثاً في أسلوب جديد من أساليب تفسير القرآن الکريم وهو: (التفسير المصوَّر) ؛ للوقوف على مفهوم التفسير المصوَّر للقرآن الکريم، ومعرفة ضوابطه وأحکامه. لما ظهر لي من أهميةٍ لبحث هذا الموضوع .
أهمية الموضوع :
برزت أهمية الموضوع من عدة أمور ؛ منها :
1) الحاجة الماسّة إلى تفسير کلام الله، وفهم وتبسيط معانيه وبيانه ، خاصة مع بعد کثير من الناس عن اللغة العربية التي نزل بها القرآن الکريم مما أبعدهم عن فهم مراد الله لکثير من المعاني فضلا عن أولئک الذين ليسوا من أهل اللغة العربية .
2) انتشار وسائل التواصل الحديثة، وما فيها من خدمات وتقنيات سهَّلت التصوير والتعامل معه، وتبادل المجتمع لبعض المقاطع المشتملة على التفسير المصوَّر فکانت الحاجة ماسة إلى معرفة حکمها والتعامل معها .
3) أنه بحثٌ في فن ٍمن فنون علوم القرآن وهو : (التفسير) والذي يخدم أشرف کتاب. ومما لا شک فيه أن شرف العلم بشرف المعلوم .
4) أنَّ التفسير المصوَّر منه الجائز ومنه الممنوع، وقد وقفت على عدد من الفتاوى کانت إجابة على بعض الأسئلة في التفسير المصوَّر فنهت عنه وحرمت هذا العمل وبدعت من يعمله، وهي فتاوى على أسئلة معينة، فأحجم البعض عن التفسير المصوَّر عموما، فکان لابد من ايضاح لضوابط التفسير المصوَّر، ومعرفة الجائز منه والممنوع .
5) سهولة التفسير المصوَّر في إيصال بعض معاني القرآن الکريم للمتلقي؛ بسبب قوة تأثير الصورة، مما يغني عن کثير من الإيضاحات .
ومع أهمية هذا الموضوع فقد رأيتُ قلَّة من کتب في التفسير المصوَّر، إذ أن الکتابات کثيرةٌ في أساليب التفاسير بخلاف هذا النوع مع الحاجة إليه([3]).
لذا وقع اختياري على موضوع : (التفسير المصوَّر ـ ضوابطه وأحکامه ـ) .
أسباب اختيار الموضوع :
دفعني إلى اختيار هذا الموضوع أمور منها :
1- أهمية الموضوع والحاجة إلى معرفة حکمه .
2- رغبتي لمعرفة مفهوم التفسير المصوَّر، وإيضاح ضوابطه وأحکامه.
3- التشرف بخدمة کتاب الله، والمساهمة في ربط الأمة به، والنهل من معينه.
([1]) ذکر الأستاذ الدکتور مساعد الطيّار في کتابه : (مقالات في علوم القرآن وأصول التفسير ص 239): أنَّ أولَّ من رآه قسَّم التفسير إلى أنواع الدکتور أحمد جمال العمري في کتابه ( دراسات في التفسير الموضوعي للقصص القرآني) وأنه لا يعلم هل سُبق أم لا ، وأنه قد ذکر ثلاثة ألوان ( التفسير التحليلي ، التفسير الإجمالي، التفسير الموضوعي) وقد زاد الأستاذ الدکتور فهد الرومي في کتابه (بحوث في أصول التفسير ومناهجه) لونا رابعاً: وهو التفسير المقارن.
([2]) انظر : بحوث في أصول التفسير ومناهجه، الأستاذ الدکتور فهد الرومي ص 57ـ 69.
([3]) في نهاية کتابة البحث وقفت على بحث بعنوان: ( تقريب غريب القرآن بالوسائل الحديثة بين التأصيل والتطبيق ) للدکتور علي بن عبدالله السکاکر أستاذ مساعد في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وهو بحث مقدم للمؤتمر الدولي الثاني لتطوير الدراسات القرآنية والمقام في رحاب جامعة الملک سعود خلال الفترة 10ـ 13/ 5/ 1436 هـ والبحث يبحث عن تساؤل هو: هل يمکن رسم أو تصوير بعض غريب القرآن؟ وتقريبها للمتعلمين بتلک الوسائل، بحيث تکون الفائدة المستنبطة منها أکبر؟ وما مشروعية هذا العمل ؟ وما مدى أهميته ؟.
والبحث کما في هوا واضح من عنوانه مقيد في غريب القرآن.